الرئيسية | أقلام حرة | شح الموارد المالية ودور تحصيل الزكاة في تحقيق العدالة الاجتماعية..؟

شح الموارد المالية ودور تحصيل الزكاة في تحقيق العدالة الاجتماعية..؟

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
شح الموارد المالية ودور تحصيل الزكاة في تحقيق العدالة الاجتماعية..؟
 

 

هل واقع العالم الإسلامي اليوم يسمح بالفعل للطبقة العاملة لتعيش يوم عيد العمل بالأمل الضروري، في تحقيق المزيد من المكاسب لفائدة شعوبهم في التنمية والعدالة الاجتماعية، ومن خلال ذلك تحسين أوضاع؟ الطبقة العاملة وأغلب هذا العالم الإسلامي طبقة عاملة وفئات مهمشة من لدن الفئات الحاكمة والتي بيدها الأمر، ومسحوقة تحت وطأة الفقر والاستغلال، وخيرات البلدان الإسلامية إما تخزن في مصاريف الدول غير العربية وغير الإسلامية أو تنفق وتبذر في غير ما طائل، وما ليس يحقق للناس العدالة في القسمة، والتوزيع العادل و السليم لما يوجد في أرض الشعوب من خيرات، لا دخل فيها لهذا الحاكم أو ذاك، وإنما هي هبة من الله حيث توجد هذه الثورات على اختلاف تنوعها فوق هذه الأرض أو في باطنها منذ آلاف السنين. 

لقد عاش الناس في السنوات الأخيرة على أمل التغيير اعتبارا للشعارات التي رفعتها الجماهير فيما سمي «الربيع العربي» والذي تحول في نهاية المطاف إلى خريف ذبلت أوراقه وتناثرت، وشتاء ممحق بصقيعه لكل بادرة أمل في التغيير أو تحقيق تلك الشعارات المرفوعة: حرية كرامة عدالة اجتماعية.

إنها الشعارات التي كان الناس يؤملون انها ستفتح لهم أبواب الإنصاف والعدل، وتبدل واقعهم البئيس بواقع آخر متخيل لديهم وهم يملؤون الشوارع والساحات في مختلف مدن وعواصم الأقطار التي اجتاحتها تلك المظاهرات والمسيرات.

 ان الناس حينذاك كانت عقلية أكثرهم غائبة بفعل طول القمع والتهميش بالإضافة إلى ما يقوله عادة الباحثون الاجتماعيون من أن في مثل هذه الحالات تسود عقلية أخرى هي ما تسمى العقلية الجمعية، بدل العقلية الفردية، ولعله من المناسب الإشارة في هذه المناسبة إلى أن هذا الركن (حديث الجمعة) كتبت فيه حينها رؤية مختلفة في سياق سلسلة مقالات بدأتها في شهر نونبر من عام 2010 بعنوان عام (أزمة الشعوب والقيادة في المجتمعات الإسلامية) والتي هي في الواقع امتداد لما كتبته تحت ذلك العنوان في مفتتح السبعينات من القرن الماضي.

ولا أريد هنا أن اندب حظ الناس التعساء في هذا العالم العربي الإسلامي لان ذلك لا يفيد وان كان يذكر ويعود بالناس إلى واقعهم الحق حتى لا يتيهوا في أوهام الخيال والتخرصات التي يمنيهم بها هذا أو ذاك.   

إن يوم فاتح (مايو) هو عيد الأمل وعيد المحاسبة، فما هو الأمل الذي يفتح أمام العاملين في هذا اليوم في بلادنا؟ هل يمكن للعمال أن يقولوا فيما تحقق لهم أنه لا يكفي؟ ولكن السؤال الأصلي والأصيل هنا هو هل هناك شيء تحقق بالفعل؟ إن المعنيين بالأمر الذين يتلقون في آخر كل شهر أجرا معينا يرون أن هذا الأجر لا يكاد يسمن أو يغني من جوع ولكنه أجركما وصفه ذلك الشاعر وهو متبرم به.

ولي راتب كالماء تحويه راحتي فينفلت من بين الأصابع هاربا.

فهو راتب عابر ولا يكاد يحقق ما تفرضه الحياة وأعباؤها هذا بالنسبة لهذا الذي يعد نشيطا وله أجر أما الآلاف التي لا تعد نشيطة ولا تمسك أجرا لا ليستقر أو ينفلت فهي تعيسة بئيسة في كل الأحوال.

إن المسؤولين يتعللون بقلة ذات اليد وشح الموارد، وهو كلام وإن كان صادقا فإن الشعوب إنما تنصب الحكومات من أجل تيسير هذه الموارد، وخلق الثروة التي تحقق للناس ضروريات وحاجيات الحياة اليومية.

 فالإسلام عندما يحرم الربا إنما يحرم الربح غير المشروع لأن المال من أجل الرواج لخلق الثروة لا للتجارة في المال نفسه، وحرم كل أنواع الكسب الحرام من أجل الاشتغال وخلق الثروة ومنع الاحتكار والاستغلال والرشوة وغير ذلك من مصادر الربح السهل والحرام، بالإضافة إلى ذلك ما أتى به من مصادر لتحقيق العدالة الاجتماعية وإرساء قواعد التضامن والتكافل بين الناس، على قاعدة لا ضرر ولا ضرار "لا تظلمون ولا تظلمون" والسؤال هنا والإخوة الذين يقودون الحكومة في المغرب حاليا يفتخرون بالمرجعية الإسلامية ونحن معهم في هذا الاعتزاز والافتخار، ولكن أين هو الصراع الضروري لإدخال نغمة من هذه المرجعية لإيجاد منفذ لدخل زائد عن الدخل المعتاد للدولة؟

الزكاة مثلا، لقد تمكن حزب الاستقلال في أول ميزانية بعد مساهمته في حكومة 10 أكتوبر 1977 من جعل بند الزكاة ضمن مداخل وموارد الميزانية ولكنه وإلى الآن لم يفعل، أما لماذا لم بفعل آنذاك؟ فله قصة ذكر جزء منها في صلب الحديث ولكن ما هو المجهود الذي بذلته الحكومة في هذا السياق؟ وهو سؤال يفرض نفسه ونحن في فاتح ماي وهي جادة في البحث عن موارد جديدة للميزانية؟

وعلى أي حال فإن فاتح ماي يوم عابر رغم أهميته ولكنه مستمر لما يتركه من حالات نفسية واجتماعية واقتصادية وكل عام والطبقة العاملة في صدارة النضال من أجل الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية.

***********

احتفال مقدر

تحتفل الطبقة العاملة بعيدها الأممي اليوم عيد الشغل والشغالين، ولاشك أن كل الناس الذين يقدرون على العمل العاملين منهم وغير العاملين يسعدهم أن تكون الشغيلة اليوم سعيدة بما حققته من مكاسب في السنوات الماضية، متفائلة بما تؤمل أن تحققه في السنة المقبلة والسنوات التي تليها، والطبقة العاملة، إذا كان الناس لا يزالون يحتفظون بهذا التصنيف وتقسيم المجتمعات إلى طبقات هي كل فئة تبذل جهدا معينا، وتكد على مدار الساعة لتحصيل القوت وتنمية الدولة والمجتمع وتقوية القدرات الاقتصادية لتوفير فرص الشغل للوافدين الجدد على سوق الشغل مع ضمان اجر مزجي يتناسب مع الجهد المبذول، والمعاناة التي يكابدها العاملون لحظة بلحظة.

مجال واسع

ولاشك أن هذه الفئة ليست محصورة فقط في أولئك الذين يصارعون في أنفاق المناجم لإخراج ما في باطن الأرض من الثروات والذين يتعرضون كل يوم لأخطار الانهيارات والموت بين الأنقاض والدهاليز، أو لأخطار ما تسببه تلك المناجم المعدنية من أمراض فتاكة ومعدية تقتل العامل قتلا بطيئا، أو أولئك الذين يحملون المعاول والفؤوس لشق الترع وبناء الطرق والمسالك والسدود وما إليها من أعمال شاقة، وأولئك الذين يتسلقون السلاليم لبناء شواهق العمارات والأبراج لتوفير سكن مريح، لمن يريد أن يسكن أو يستطيع أن يكون في ناطحات السحاب كما يقال أو أولئك الذين يجوبون أعماق البحار ليلا ونهارا كسبا للرزق وتوفيرا للحم الطري لمن يستطيع، أو أولئك الذين يجلسون خلف المكاتب يدرسون ويخططون، بل كل أولئك وهؤلاء الآخرين الذين يكدون ويسعون ويمشون في مناكب الأرض للأكل من رزق الله هم شغالون وعاملون وأهل للمكرمة والعناية، بل حتى أولئك الذين يسعون طيلة اليوم يطرقون الأبواب بحثا عن العمل وفرصة للعيش ولا يجدون أنهم بالفعل لاحق له بالرعاية والإنصاف.

تحرر من وصاية

لقد أتى على الناس زمان، ربطوا فيه بين العناية بالعاملين والعمل وإيديولوجية معينة تريد أن تفرض بل فرضت على الناس وصايتها في هذا المجال فكنت ترى الفئة من هؤلاء تتنافس في التقرب إلى العمال باعتبار العمال هم الفئة التي يجب أن يوكل إليها أمر الناس في الحكم وغيره، فالبروليتاريا هي الملاذ الأول والأخير للمجتمعات الإنسانية، لذلك يجب أن تفرض ديكتاتوريتها على الناس وأن تحكم وتسود، ولاشيء يعلو فوقها أو فوق رأيها وحكمها، وسيرا مع هذه القناعة التي سال مداد كثير لفرضها وإقناع الناس بها سلما أو حربا إذ حرب الطبقات أو صراعها على الأقل هو القانون الأسمى.

نهاية التاريخ

وترى جماعات وأحزابا ربما لا تتوفر على عدد الأتباع من بين الشغيلة يساوي عدد أعضاء قيادة تلك الأحزاب أو الجماعات ترى نفسها أنها القيادة الطبيعية للشغيلة والمتحدثة باسمها، والويل ثم كل الويل لمن حدثته نفسه بالاقتراب من الحمى، ذلك زمان أظن أنه قد انتهى وأعلن من نهايته مع إعلان نهاية التاريخ، ولكن هل بالفعل انتهى دور العمل والعالين وانتهت مشكل هؤلاء مع أولئك الذين ما فتئوا يستغلون الناس ويسرقون جهد عملهم.

ضد الطبقة

لقد انتهت هذه الإيديولوجية المشار إليها بالفعل، لأنها كانت إيدلوجية ضد الطبيعة الإنسانية لأنها لم تراع إلا جانبا واحدا في الإنسان هو الجانب المادي المرتبط بالبطن ولكن ما عدا ذلك لم يكن واردا بل مما كانت هذه الإيديولوجية تحاربه وتحاول استئصاله من النفس الإنسانية بشتى الوسائل، حتى إذ انهارت وانهار مع انهيارها ما كان يعقد عليها من الآمال، وبقي الناس وجها لوجه للطبيعة الاستغلالية للبشر بل إن هذه الإيديولوجية كان استغلالها لمن جاءت في نظرها لحمايتهم والتحدث باسمهم أشد وأفظع.

النقابية الجديدة

والواقع أن انهيارهم لم يكن مفاجئا للطبقة العاملة الواعية والناضجة بل حتى قبل ذلك الانهيار ظهرت بين المجتمعات ما سمي بالنقابية الجديدة هذه النقابية الجديدة التي تعني=الحكومة+ أرباب العمل + النقابات التي تتحاور للإيجاد الحلول للمشاكل حسب ميزان القوى لكل طرف من الأطراف وربما هذا هو ما نطلق عليه نحن في مجتمعنا الحوار الاجتماعي، ولكن هل هذا الحوار أدى إلى الوصول للمبتغى بالنسبة للعاملين وللمجتمع ككل، لقد تتبعنا خلال السنوات الأخيرة النتائج التي تم التوصل إليها من خلال هذه الجلسات التي امتازت بروح التفاهم رغم التمسك بالمواقع والمواقف لكنه على أي حال حوار والحوار أخذ وعطاء رغم أن الغير يطلق على هذا النوع من النقابية المساومية، وهو نوع كان مستهجنا في الماضي لدى النقابات العقائدية المتزمتة.

عودة الجشع

وعلى أي حال فالصراع اليوم وفي زمن العولمة واقتصاد السوق وسيطرة الشركات المتعددة الجنسيات (والعابرة للقارات، صراع قوي وعنيف والطبقة العاملة توجد في ظروف صعبة في مجتمعات كثيرة، لأن فرص العمل اقل وتخلي الحكومات على كثير من المؤسسات الاقتصادية والمرافق لهذه الشركات وما يفضي إليه ذلك من تحكم الرأسمال الجشع والمستغل والاستغناء عن كثير من الأيدي العاملة وإغلاق للمصانع والمعامل وإفلاس كثير من الشركات كل ذلك أدى إلى وجود الأزمة التي تعامي منها المجتمعات ومجتمعنا بالذات الذي كان الوضع فيه أحسن حالا مما هو عليه الآن.

مرجعية أصلية

أجدني هنا أطرح سؤالا ترى لو أن الناس يلتجئون إلى قناعات أخرى غير قناعات العولمة التي تتحكم فيها ليبرالية متوحشة هدفها الربح ولاشيء غير الربح؟ لقد أتى على الناس زمان في المجتمعات الإسلامية يتحاكمون فيه إلى الشرع وإلى مرجعية الكتاب والسنة، وكان الإنصاف وإيصال الحقوق إلى أهلها أمرا متفقا عليه ومنفذا إلى حد بعيد، لكن مع ابتعاد هذه المجتمعات على هذه المرجعية والانقياد الأعمى لمؤسسات مصرفية ربوية هدفها تحصيل المكاسب والمغانم لدول معينة وجهات نافذة في هذه المؤسسات أصبحنا نضيف أمراضا غلى أمراضنا، وانتقل إلينا عبء حل مشاكل غيرنا على حساب مصلحتنا ومصلحة شعوبنا. ونحن لن نعدو إن رجعنا إلى مرجعيتنا الأصلية المرجعية الإسلامية.

وكلاء الاستغلال

وبذلك يكاد يتحول مجتمعنا كله إلى مجتمع باحث عن الشغل لدى هؤلاء، فأرباب العمل لدينا كادوا أو في طريقهم إلى ذلك أن يتحولوا إلى وكلاء عاملين لدى الشركات الأصل، شركات الاستغلال والاحتكار ومتعلموها من ذوي الاختصاصات والمؤهلات هاجروا واستقطبوا من طرف دول استطاعت فرض هيمنتها، وهكذا نتحول شيئا فشيئا إلى مجتمعات تحت رحمة ونفوذ سادة جدد لعالم العولمة، وما بعد العولمة وأمام هذا الواقع الجديد الذي يهدد ليس الطبقة العاملة فقط ولا الوافدين الجدد على سوق العمل والباحثين عنه بل المجتمع ككل ليس لنا إلا ملجأ واحد وحيد هو الرجوع غلى أنفسنا وغلى ذاتنا أولا لإصلاح أنفسنا "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

إلى رصيدنا

ولعل بالرجوع إلى عقيدتنا نستوحي منها الإرادة والعزيمة للتحرر الحقيقي لمجتمعاتنا بكل مكوناتها، إن المجتمعات الإسلامية تتوفر على رصيد هائل في تراثها المبني على الكتاب والسنة، والحرب المعلنة وغير المعانة على هذا التراث إنما من أجل تجريد هذه المجتمعات من وسائل الدفاع، وبالنسبة للعمل والعاملين فليس هناك كتاب دين حوى من الحض على العمل والترغيب فيه مثل ما هو موجود في القرآن، فهو يتحدث عن العمل فيما يربو عن 360 آية كلها إشادة بالعمل وأربابه وذويه وحدث عن السنة وما ورد فيها بأكثر من ذلك، لذلك لا نستغرب إذا وجدنا أحد الباحثين والمؤلفين في السنة كتب كتابا في 18 مجلدا بعنوان "كنز العمال" فللعمال في الإسلام كنز كبير ومتنوع دنيا وأخرى، فالإسلام توجد فيه حوافز كبيرة للعمل لنيل الثواب في الآخرة، ولكنه كذلك لنيل أجره كاملا في الدنيا، فالقرآن يؤكد: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مومن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون".

خصماء الله

وقال الرسول أجر المأجور قبل أن يجف عرقه" بل إن الله سبحانه جل جلاله ينتصب مدافعا ولله المثل الأعلى "للدفاع عن المأجور الذي ضاع أجره وشغله غيره ولم يعرفه كما جاء في حديث قدسي: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته... ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفر أجره" وقد ذكر الحديث الإيفاء بالأجر ولم يقل أداء الأجر لأن المطلوب هو الأداء الذي يبخس للعامل عمله "ولا تبخسوا الناس أشياءهم.

اهتمام متواصل

لقد اهتم الباحثون المسلمون وغيرهم في العقود الأخيرة من القرن الماضي والى الآن بما في مصدري التشريع الإسلامي الكتاب والسنة وما نتج عنهما من اجتهادات في كتب الأحكام سواء ما تعلق منها بالأموال وبغيرها يستنطقونها للمرجو منها بأحكام وبنتائج من شأنها أن تعزز الاجتهاد المعاصر في مجال مواكبة التطورات التي حصلت في مجال التشريع للعمال والعمل، وأعطى ذلك كتبا ودراسات مختلفة سواء تلك التي واكبت الاستعمالات الجديدة للدلالة على السعي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية.

نماذج

ونذكر فيما يلي بعض النماذج لقد كتب الشهيد سيد قطب «العدالة الاجتماعية» محاولا من خلالها توضيح ما في مصادر الشريعة من توجيهات وتعليمات وأوامر وكذلك ما ورد في كتب الفقه وفي مدونات شرح الحديث وكذلك كتب التفاسير وساهم هو نفسه في مجال التفسير بتفسيره المتميز «في ظلال القرآن» كما كتب كتابا مهما بعنوان معركة الإسلام مع الرأسمالية وكتب الشيخ الغزالي عن الإسلام والاشتراكية، وكتب السباعي «اشتراكية الإسلام» وكتب جودت سعيد عن العمل قوة وإرادة وكتب غيرهم كثير في مجالات متنوعة كلها تصب في اتجاه إنصاف العمال وغيرهم وتحقيق العدالة الاجتماعية.

الاجتهاد للإنصاف

ومن خلال هذا الكم الهائل من النصوص الآمرة والناهية استخرج الباحثون الكثير من القواعد القانونية والفقهية كحماية المأجور وإيجاد الحوافز الضرورية للعمل وتقوية الإنتاج وحماية المجتمع من آفات التعطل والاستغلال، وكما لا يجوز احتكار السلع لا يجوز كذلك احتكر العمل واستعمال الأساليب التي من شأنها لإضرار بذوي الحقوق في توازن تام بين المصالح التي لهذا الطرف أو ذاك، لذلك عندما كان الصراع على أشده بين مذاهب تدفع نحو اليسار وأخرى نحو اليمين استلهم فقيه مجتهد له من التفتح على العصر والتزود بما تزخر به ثقافتنا الإسلامية من كنوز المعرفة الأصول الإسلامية أنه علال الفاسي العالم المجاهد فأسس مذهبا تعادليا يبقى صالحا لكل الأحوال والظروف، لأنه يراعي العدل بين الناس وتحقيق التوازن الضروري بين المصالح والأهداف التي قد تكون متضاربة لأن الإنسان هو الإنسان في نوازعه وتطلعاته فلابد إذن من ضبط هذه النوازع بعقيدة تصلح الداخل وتشد الإنسان غلى ميزان يجعل ضميره يقظا باستمرار وشريعة تحدد المعالم وترسم الطريق لبيان الحقوق والواجبات والـأمر بالالتزام بها في كل الأحوال.

وممن كتب في هذا الموضوع كذلك كتابات عدة الباحث الفلسطيني (عزة دورزة) الذي اختصر الموضوع في كتيب صغير بعنوان «الضمان الاجتماعي في القرآن الكريم» من بين ما جاء فيه وهو يعرف الضمان الاجتماعي:

تعريف

أخذت كلمة «الضمان الإجتماعي» أو «التأمين الاجتماعي» تتردد في هذه الحقبة في البلاد العربية تأسيا بالغرب الذي أخذت مختلف أقطاره على نفسها تنفيذ مشروعاته الهادفة إلى كفالة حياة وصحة الطبقات المعوزة والعاجزة عن الكسب بسبب المرض أو الشيخوخة أو البطالة الاضطرارية أو فقدان العائل أو غير ذلك من الظروف القاهرة».

عناية أوسع

والاصطلاح حديث دون موضوعه. وموضوعه في القرآن والشريعة الإسلامية خاصة جوهري حتى في بعض أسسه التي تقوم على التعاون بين الحكومة وأصحاب الأعمال والأموال بسبب تدبير الأمور اللازمة له مما يتمثل في الزكاة مثلا التي تؤخذ من القادرين لتوزع على العاجزين والمحرومين».

على أن عناية القرآن بهذه الطبقة أوسع مدى وأقوى دعوة وأمتن أساسا، حيث جعل أمر كفالتها واجبا رسميا على خزانة الدولة وعين لها أنصبة في كل مورد مالي يدخل هذه الخزانة.

كما تناول فيه أسلوب الدعوة إلى التضامن الاجتماعي في القرآن الكريم في المرحلة المكية:

في العهد المدني 

أما العهد المدني فانه لم يلبث أن غدا عهد دولة، فلم تلبث العناية القرآنية أن أخذت توطد أمر الفئات المعوزة والمعسرة والعاجزة توطيدا رسميا بارزا فلم تتركه لرحمة المتبرعين وحسب.

وإذا لاحظنا ما يجيش العالم به دوما من اضطراب بسبب بؤس البؤساء وفقر الفقراء وحرمان المحرومين والعاجزين وما يؤدي إليه هذا من كوارث وأزمات مما هو آخذ اليوم بالتوسع والاشتداد ظهرت لنا معجزة القرآن البالغة في ذلك التوطيد. وإذا لاحظنا كذلك أن الضمان الاجتماعي الذي وضع وأخذ يتسع في هذه الحقبة وأصبح يعد كما قلنا أفضل وسيلة إلى ضمان معيشة وحياة وحاجات تلك الفئات، ثم لاحظنا أن القرآن قد أقر هذا وجعله من واجب الدولة منذ ألف وثلاثمائة سنة ونيف بدت لنا عظمة تلك المعجزة وروعتها وقوة مرشحات الشريعة الإسلامية التي قامت عليها للخلود.

ويلخص العهدين بعنوان:

أساليب الدعوة في العهدين المكي والمدني

والمتمعن في الآيات مكيتها ومدنيتها يجد أن عناية القرآن بالفئات المعوزة واهتمامه لشأنهم قد برزت في صورتين: الأولى في الدعوة العامة المطلقة إلى البر بها والعطف عليها والإحسان إليها وتخفيف بؤسها، والتنويه بالمستجيبين والتنديد بالممتنعين، والثانية في الإلزام الرسمي إن صح التعبير أي في تحميل الدولة والمسلمين بطريقها عبء تلك العناية تحميلا إلزاميا وذلك بطريقة تعيين موارد رسمية مثل الزكاة والغنائم والفيء التي تجبيها الدولة وتوزعها على تلك الفئات. 

وإذا كان الالتزام في العهدين مقررا فإن أبرز الموارد هو الزكاة و(دروزة) ممن يرى أن الحاكم أي الحكومة يمكنها ان تتولى تحصيل الزكاة النقدية وهو موضوع خلاف بين الفقهاء وهو الذي استفتى فيه الحسن الثاني رحمه الله العلماء وطلب تنظيم مبارة في الموضوع مع اقتراح طريقة الاستخلاص والاحتساب. وبقي رحمه الله خريصا على الموضوع حيث اثاره من جديد في شهر رمضان 1418 يناير 1998 وعلى اثر ذلك تقدمت الى جلالته وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزارة الاقتصاد والمالية بمشروع في الموضوع ولكن هذا المشروع لم يفعل لحد الآن، ويصبح ملحا تحريك الموضوع من جديد والمغرب يبحث عن مصادر لتحقيق التوازن بين الفئات والشرائح الاجتماعية.

ونعود لما كتبه دروزة في استخلاص زكاة النقد، يقول:

«ان سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وهما من كبار الصحابة وعلمائهم كانا يفتيان بدفع زكاة النقد إلى بيت المال. ومنها ما يشترط عدم الإكراه بحيث يعتبر المسلمون أمناء على أموالهم فيصدقون بما يقولون عنها فما ظهر منها وعرف أديت زكاته لبيت المال وما خفي منها وكلوا فيه إلى دينهم. ومنها ما يقرر أن من يدفع زكاته إلى بيت المال تجزيء عنه. ومثل هذا وارد إجمالا في كتاب الخراج للإمام أبي يوسف وهو أقدم من كتاب الأموال وكان مؤلفه قاضي قضاة المسلمين في عهد هارون الرشيد.

وعلى كل حال فليس في ما ورد أو خطر لأداء زكاة النقود والعروض إلى بيت المال أسوة بزكاة الماشية وغلة الأرض. وجانب الإيجاب من أحاديث وسنن وفتاو وأقوال ومن إطلاق النص القرآني بما يدعم وجاهة الإيجاب وقوته كما هو المتبادر. هذا بالإضافة إلى أن الاختلاف متصل بما كان من الأحداث والفتن ونشوء الدولة الأموية عقب مقتل عثمان ثم عقب مقتل علي أكثر مما هو متصل بنص قرآني وسنة نبوية، بحيث رأى بعض أصحاب رسول الله أن حكم هذه الدولة إنما فرض فرضا غير مستند إلى حق وشرع فلم يروا أن يدفع لبيت مالها زكاة النقد الذي لا يعرف على حقيقته ويمكن إخفاؤه بينما لم ير بعض آخر ذلك ورأى التمسك بالسنة النبوية والراشدية وإطلاق النص القرآني وأوجب أو أساغ دفع زكاة النقود والعروض لبيت مال الدولة الإسلامية القائمة بأمر المسلمين يقطع النظر عما يقوله البعض من شرعيتها. وقد تساهل الأمويون تفاديا للفتنة وقد كثرت مواردهم المالية فاكتفوا بما تيسر من هذه الزكاة دون ما إحراج ثم بزكاة الماشية وغلة الأرض التي تعرف على حقيقتها ولا يكن التفلت منها ولا إخفاؤها إذ يكون ذلك عصيانا يستحق التنكيل.

والى اللقاء في الأسبوع المقبل لتتمة الكلام حول الشيخ محمد عبده.

 

مجموع المشاهدات: 1326 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة