الرئيسية | أقلام حرة | الحداثيون و تدعيش المجتمع‏

الحداثيون و تدعيش المجتمع‏

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الحداثيون و تدعيش المجتمع‏
 

 

          هذا التجييش و التحريض  و الاستفزاز و التقاطب الذي يعرفه المجتمع المغربي منذ  شهرين غير بريئ بتاتا،  و ليس عاديا و لا طبيعيا، إنه مسلسل من الأحداث  المتفرّقة في الزمان و المكان و المختلفة الأشكال، و  سارت تتطوّر بشكل تصاعدي ، ممّا ليس بصعب على أي متتبّع حصيف و مراقب نبيه  أن يلاحظ بأنها أحدات و تطورات مرتّبة  و منظمة ، و ربّما مخطّط لها عن سابق إصرار و عناية،  و هذا ما يكشف بأنها لا تخلو من غايات معيّنة يسعى الواقفون وراءها و الماسكون بخيوطها في الخفاء إلى تحقيقها، قد تكشف عنها الأيام المقبلة، و كلّ هذا كان مرافقا إعلاميا في المواقع الإلكترونية و المواقع الاجتماعية  بترويج خطاب، من طرف المحسوبين عن التيّار "الحداثي"  و اليساري، يتّهم  المجتمع و الدّولة  بالدّاعشية  و التّطرف.

 الآليات :

  و انطلق هذا المسلسل و سار عبر الخطوات و المحطّات التالية :

1- تسريب مقاطع من الفيلم المعلوم، الذي أحدث رجّة أولى داخل المجتمع.

2- استدعاء مغنية أجنبية(جينيفير لوبيز) الى مهرجان موازين، و هي معروفة بتعريها و رقصها الإباحية في كل المهرجانات التي تشارك فيها في العالم.

3- نقل سهرة الكشف عن المؤخرة على شاشة دوزيم.

4 - اعتقال شاذين جنسيين في منطقة حسان بالرباط في وضع مخلّ بالحياء العام.

5- هجوم جماعة من الغوغاء على منزل أحد الشواذ بمدينة الرباط 

6 - فتاتين شاذتين فرنسيتين من منظمة "فيمن" تتعريّان في حسّان بالرباط أمام الضريح .

7- تسريب أسئلة مادة الرياضيات لامتحان الباكالوريا لشعبة علوم الحياة و الأرض و ما خلّفه من صدمة في وسط كل الأسر، وضرب لمصداقية أهم شهادة مدرسية مغربية. 

8 - دعوة المدعو "سيد القمني" من طرف مجلس مقاطعة يعقوب المنصور بالرباط لإلقاء محاضرة كلّها طعن و قدح في توابث الوحدة الوطنية للمغاربة.

9 - الهجوم على فتاتين شبه عاريتين بانزكان و اعتقالهما و متابعتهما قضائيا. و متابعة دوزيم لذلك إعلاميا.

10 - تنظيم وقفة "صايتي حريتي" و تغطية دوزيم لها إعلاميا، و انجرار الكثير من المحسوبين عن الصف "الحداثي" و اليسار إليها .

11 - الهجوم على شاذ جنسيا بشكل همجي بمدينة فاس .

          وهكذا يتّضح للمتتبّع  أنّ  الواقفين وراء هذه الأحداث قد وظفوا في صُلبِ مخطّطهم القضايا الإيديولوجية الهامشية التي تفرّقُ المغاربة و لا توحّدهم ، و التي تشتّتهم و لا تجمعهم (الجنس- الفنّ - اللباس.)، مقابل إبعاد القضايا الاجتماعية و الاقتصادية التي تهمّ المغاربة قاطبة. و جعلوا الحريات الفردية  شعارا لكل خطواتهم السالفة الذكر، حيث وضعوها في موقع الاستهداف و الضحية، ممّا يقتضي من أنصارها التكتّل و الحشد للدفاع عنها و التغطية الإعلامية لها من طرف قناة عمومية، و هذا بدوره يتطلّب التنقيب عن "التطرف و الدّاعشية" في السلوكات  الشخصية للمغاربة و عاداتهم الاجتماعية و في خطابهم الديني و في أقوالهم المتداولة. 

        و يمكن للمراقب  خلال كل هذه التطوّرات أن يرصد الكثير من الإصرار من طرف المحسوبين على تيار "الحداثة"  على نعت أي قول أو فكرة أو سلوك  للمغاربة، و لو كان بسيطا   لا يروق لهم،  بالدّاعشية،  رغم أنّها سلوكات و أفكار و أقوال  ومعتقدات و انحرافات و أخطاء  معروفة في أوساط المغاربة  قبل أن تظهر داعش الى الوجود بعقود و قرون، و يمكن أن تصدر عن المغاربة في الأوساط الشعبية، إمّا عن جهل و جهالة و أمية،  أو عن فهم خاطئ للدين،  أو عن غيرة أو استفزاز، أو عن بلطجة و عربدة و خرق للقانون، لكنها حتما لا علاقة لها لا بداعش و لا فاحش،  هذا الإصرار على تدعيش المجتمع المغربي رغما عنه في خطاب الحداثويين  غير بريء، حيث هناك سعي حثيث إلى خلق داعش في المغرب  خطابيا و إعلاميا، بعدما لم تستطع داعش أن تجد لنفسها  موقعا  داخل المجتمع المغربي. 

الأهــداف:

          وضع هذه الأحداث في السياق  الإقليمي و الوطني يساعد على فكّ بعض طلاسيم هذه التّطورات التي أشرنا إليها سابقا، فعلى الصعيد الإقليمي فالعديد من الدول في الشرق الأوسط و شمال إفريقيا ، التي كانت في طليعة  ثورات الربيع الديموقراطي شهدت  ردّة في الانتقال الديمقراطي، إذ عرفت في الحريات العامّة مجزرة حقيقية و شهدت  فوضى سياسية اجتماعية خطيرة ، و  أعمال إرهابية ، وعودة للاستبداد بقوة و عنف، متدثرا بشعار حماية الحرية،و ملفوفا و مدعوما بجزء كبير من النخب العلمانية و اليسارية.

       على المستوى الوطني، و ما دام المغرب بدروه  قد عرف في سياق ثورات الربيع الديموقراطي مجموعة من الإصلاحات  و المكتسبات و في مقدمتها دستور 2011، و بالتالي ففي سياق الردّة الإقليمية عن الانتقال الى الديموقراطية و زحف الاستبداد، يمكن أن تكون هذه الأحداث  التي يعرفها المغرب، و المشار إليها سلفا، تمهيدا و تبريرا  و ذريعة لنكسة منتظرة في المكتسبات التي عرفها المغرب مند سنة 2011 في مجال الحريات العامة على شكل تغييرات في التشريعات و القوانين و على رأسها تعديل دستوري محتمل، قصد مصادرة ما يضمنه  هذا الدستور من حقوق و مكتسبات،  بمبرر محاربة التطرّف و الداعشية، و عليه  كان حصان طروادة هو حماية الحريات الفردية، من خلال تحريك مجموعة من الأحداث ذات الطابع المستفزّ لعموم المواطنين البسطاء، و تضخيمها إعلاميا من طرف قناة عمومية(دوزيم)، و هكذا انخرط "الحداثويون" في هذه المعركة المفتعلة، و انجرّ إليها جزء من اليسار العاطل عن النضال مند عقد من الزمن، و هكذا  ستكون الحريات الفردية ذريعة لضرب الحريات العامّة، فهذه الأخيرة هي التي تضمن للمجتمع الدفاع عن مطالبه الاجتماعية الأساسية من شغل و تعليم وصحة وسكن.  كما  جعلت أطراف سياسية أخرى  هذه الأحداث  مناسبة للتعبئة للانتخابات الجماعية المقبلة و التي لا يفصلنا عنها سوى شهرين، قصد تحصين مواقعها في تدبير  الشأن المحلّي في الكثير من مدن المغرب.

 
مجموع المشاهدات: 1954 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة