الرئيسية | أقلام حرة | من برشلونة أناديكم -2-

من برشلونة أناديكم -2-

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
من برشلونة أناديكم -2-
 

 

...نعم من برشلونة أناديكم ، من قلب إقليم“ كاتالونيا “ أوجه لكم رسائل غير مشفرة ، عباراتها وآهاتها لا تستدعي قراءة ما وراء السطور وما بينها ، بل هي رسائل تختزل في متنها وحكيها أطوار تجربة حياتية ،لشخص كان يرى في البعد عن الوطن والأهل خلاصه الوحيد في هذه الدنيا الفانية ، لشخص لم يمهل نفسه وتفكيره أدنى فرصة لتوجيه الذات الوجهة الصحيحة. هذا الشخص الماثل أمامكم ما كان ليفهم ويستوعب الخطاب الرباني الكوني الذي يربط الرزق والتوفيق الإلهي بتقوى الله، حيث قال أعز من قائل: ))ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب... (( “سورة الطلاق“، لولا خوضه تجربة الغربة، التي كان لها الأثر الإيجابي في تغيير رؤيته وقراءاته الخاطئة لمفهوم الهجرة ودوافعها. كيف لا وشروط الاغتراب والإقصاء الاجتماعي لم يعرفا سبيلهما إليه ، فالمتعارف عليه والذي لا يختلف عليه اثنان، أن الشخص الذي يعاني من ظروف اجتماعية صعبة ، كالبطالة وانعدام الأمن، والانشقاق الأسري ، بالإضافة إلى “ الحُكْرَة “ التي قد تطاله من طرف جهات سياسية، ترى مصلحتها وبقاءها حية في تهميش هذا ونهب ذاك، ومن تدني خدمات بعض المؤسسات العمومية ، كالإدارات ، والمصحات ، و...و...التي لا تعير اهتماما ، أو بالأحرى، لا يفقه موظفوها شيئا عن مفهوم المواطنة أو خدمة المواطن، كلها عوامل تشجع المرء على اتخاذ قوارب الموت، ومن أحشاء السيارات والشاحنات الوسيلة الآمنة، أو المثلى، التي يمكن أن تبعده عن موطن الحيف والظلم.

 

فبالنسبة لي، وللأمانة، لم يكتمل نصاب شروط الهجرة لتحفزني وتدفعني حد الجنون ، لفراق أهلي ووطني، إلا أنني ومع ذلك استسلمت وتذوقت طعم البطالة لبضعة أشهر، كما سلف وأن ذكرت، في حين كنت دائما أختلق لنفسي أعذارا واهية ، تجعلني أفرض رأيي واختياراتي المرتبطة بكل ما هو مادي وبالأنانية المفرطة، على أسرتي ، ولا سيما والدتي ، السيدة الحكيمة ، التي أعطتني دروسا في الصبر وتحمل المسؤولية، انطلاقا من بوابة الإيمان بالقضاء والقدر، فهذه الدروس الحياتية والتوجيهات التربوية، صادرة عن سيدة أمية لم تلج قط مؤسسات تعليمية، ولم تحصل على شواهد علمية أكاديمية، ولكن كل ما في الأمر أنها إنسانة عفيفة واعية تلقت تربية دينية من أفواه الصالحين ، بينما القيم الإنسانية النبيلة مارستها بكل تجلياتها ،وهي سيدة أرملة رأت في تربية أبنائها الخمسة أحسن تربية، خلاصها الوحيد دينيا ودنيويا، فمن وجهة نظري المتواضعة ، يمكن أن أعتبر أمي وباقي الأمهات المغربيات، المناضلات، الصبورات ،القنوعات، المربيات،مدرسة قائمة بذاتها، في زمن أفل فيه دور المؤسسات التعليمية والخطابات التربوية الهجينة، في تقويم الاعوجاج الذي طال المنظومة التربوية والمؤسسة الاجتماعية. فقرار الهجرة أو الاغتراب كان اختيارا وليس أمرا مفروضا، فحين حصلت على بطاقة الإقامة ، التي ستمكنني من العيش على التراب الاسباني كمواطن من الدرجة الثالثة أو الرابعة ، كما أن هذه الإقامة فرضت علي امتهان، أو تبني عنوة ، مهنة لم تخطر لي على بال ، وهي“ صَبَّاغ “، والتي بموجبها تم المصادقة على طلبي المتمثل في الالتحاق بالديار الاسبانية كصانع ،أو حرفي، بموجب عقد عمل، إلا أن الأمر سيعرف تعقيدا مباشرة بعد أن وجدت نفسي أصارع الأيام والشهور ،بغية الحصول على فرصة خلط الألوان و تحويلها إلى صور فنية على جدران المباني السكنية ، مع العلم أنني لم أصعد يوما في حياتي على سلم لتبليط ولو غرفة نومي ، حتى لا يتم سحب رخصة إقامتي التي كانت مشروطة بإيجاد عمل يتطابق مع ما هو مدون ومصرح به لدى السلطات الاسبانية باعتباري “ صَبَّاغا “، والأدهى والأمر ، أن هذه الإقامة كانت محددة وسارية المفعول مدة سنة قابلة للتجديد، شريطة احترامي والتزامي بأداء قيمة مالية للسلطات المعنية ، التي بلغت آنذاك أربع مئة “يُورُو“ ،لمدة ستة أشهر متتالية،

 

أما إذا لم أوفق في تسديد هذا المبلغ، معنى هذا أنني سأضطر لجمع أغراضي وشتات أفكاري ، وأنسحب في صمت ، قبل أن يتم التشطيب على اسمي من لائحة الممكن استمرارهم وعيشهم على التراب الاسباني، وهذا ما دفعني للبحث عن فرص شغل بديلة ، حتى وإن فقدت فيها جزءا من كرامتي وعفتي، فهذا الهاجس سكنني وتعايش معي، حتى صار ظلي الذي كنت أحاول أن ألف حبلا على رقبته لأتخلص منه ومن صحبته المستفزة، وكما سبق وأن أشرت أن المصائب لا تأتي فرادى...، وبالموازاة مع هذه المعاناة النفسية التي ساهمت في تأجيج موجة الغضب والسخط العارم بداخلي ، سأصاب بمرض مزمن كاد أن يصيبني بشلل نصفي على مستوى الأطراف السفلى من جسمي، لولا الألطاف الربانية، ودعاء الوالدة في كل وقت وحين ، وهذا المرض بدأت إرهاصاته وبوادره الأولى تظهر وتنمو قبل أن تراودني فكرة الهجرة، وفي بلاد الغربة استفحل الداء، حيث أصيبت فقرتان سفليتان من عمودي الفقري بفتق لم ينفع معه ، “ لا الكَيّ “، و “ لا الرَّجم “، و “ لا النَّفخ “، فحالتي الصحية الحرجة كانت تستدعي علاجا إكلينيكيا، وظللت على هذا الحال ، أي المعاناة النفسية التي ارتبطت بالبعد عن الأهل والأحباب، وانعدام التوفيق المهني والصحي الذي صاحب هذه التجربة المرة، ناهيك عن النظرة الدونية والعنصرية التي كان يُنظر بها إلينا من طرف الآخر ، الذي كان لا يحبذ، وَيَمْقُتُ في نفس الوقت، تواجدنا ككائنات بشرية تعيش وتتقاسم معه نفس البقعة الجغرافية، بمائها، وهوائها، وتربتها، إلى أن أحسست ببداية انسداد الأفق في وجهي ، وتوالي النكبات والخسائر على جميع المستويات، حينها بدأت مرحلة العد العكسي بالنسبة إلي ، وأن مسألة بقائي على التراب الاسباني، مسألة وقت لا أقل.

 

فللحديث بقية ...وحلم العودة سيصير واقعا، وسيتضخم الشوق والحنين بداخلي لمعانقة أسرتي من جديد، وتقبيل الثرى الذي تمشي عليه أمي...، أما الوطن وعزة الانتماء، فسأضرب معهما موعدا ليس كباقي المواعيد... فهذا ما سنفصح عنه في قادم الروايات... يتبع...

مجموع المشاهدات: 1295 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | سمية الورياغلي
ماهذا الاسلوب
للاسف هناك ارتباك كبير في الاسلوب ولا اعرف ماذا يريد الكاتب ان يقول
مقبول مرفوض
0
2017/12/28 - 10:38
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة