الرئيسية | أقلام حرة | جرذان في خدمة مسافرين ..!

جرذان في خدمة مسافرين ..!

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
جرذان في خدمة مسافرين ..!
 

 

 
أقصوصة واقعية تستمد أحداثها من شخوص ينوون السفر عبر أجواء مطارات اسطنبول ومونريال ومحمد الخامس ، سيصطدمون ؛ في هذا الأخير ؛ بعينة من المستخدمين وأفراد آخرين ؛ سيترك الكاتب للقارئ الكريم حرية تسميتهم .
الإقلاع من اسطنبول
كانت الساعة السابعة صباحاً بمطار اسطنبول ، حيث اكتظت باحة واجهته الداخلية بجماهير غفيرة من المسافرين ، تتعثر بهم أمتعتهم وهم يهرولون في اتجاه شبابيك عمليات التسجيل والحجز ، تشي سحناتهم بأنهم مغاربة ؛ في عمومهم ؛ قدموا من أنحاء آسيا وأمريكا ، يريدون صلة الرحم بأقاربهم في المغرب.
  ضج فضاء الطائرة ؛ وهي ما زالت جاثمة على أرضية المطار ؛ بأصوات خشخشة وصك العنابر وتعبئتها بحمولتهم ، كلٌ يريد توضيب شعثه وعفشه وفرزه بلمساته الأخيرة ، لكن سرعان ما ستنحو قليلاً إلى الهدوء في أعقاب وقوف مضيفة شقراء مخاطبة المسافرين أولاً بالتركية فالإنجليزية وأخيراً العربية:
• ".. الزموا مقاعدكم.. واربطوا أحزمة الأمان ، باشروا وسائد الإغاثة.. وهذا الكابتن م.أوغلو يتمنى لكم سفرا سعيدا على متن خطوط الملاحة الجوية التركية ( Turkish Airlines) .
    دردشة في الفضاء
ما إن استوت الطائرة في سماء أنقرة حتى دبّت من جديد همسات ووشوشات ؛ تجمع أخلاطا لغوية ، يصعب استبيانها في البداية ، لكن ستطغى عليها تدريجيا العامية المغربية ، حينما شرعت عربات الأطعمة تتجول في الممشى بين المقاعد :
• "الدجاج أم السمك..؟"
• " الدجاج.. شويّا دلحرور... آخويا"
• " آش تشرب..كوكا .. بيبسي.."
امرأة في المقعد الخلفي.. بعد أن نزعت برقوعها:
• " الله يعز المغرب.. والطياب اديالو.."
• أخرى ملتفتة وهي مقطبة الجبين:
• " .. لفراخ..أوكي.. أو كمان البصارا.."
بينما ارتفع صوت آخر من الخلف ، بنبرة فم صاحبه عاكف على مضغ الطعام بعجالة:
• " الماكلا.. الطياب.. والسياحة هل هذا كله هو المغرب ؟ "
• " قاطعه آخر من خلف أوراق مجلة ؛ اتخذها عونا له على الاسترخاء وحجب الأضواء:
• " الله يهديكم.. المغرب مزيان.. ما قلنا والو.. ولكن شوفوا الإدارة.. الحقوق.. التعليم.."
• " يرد عليه شخص بجواره ، كان منشغلا بتخليل أسنانه :
• " هذا شيء موجود في كل بلاد الدنيا.. أنا لم أدع أي مكان في العالم.. وما زال المغرب هو الحب الدائم... واخّا .. واخّا فيه...فيه..."
كان متلعثما ، وكأنه يبحث عن الكلمة التي انفلتت عن لسانه ، لكن سرعان ما ستبادره امرأة تضع نظارة سوداء :
• " واخّا فيه لعفن عندو اليدّين والرّجلين.."
   كانت الطائرة التركية ذات الطابقين تحلق على ارتفاع شاهق ، وبعد أن توارت عربات نفايات الأطعمة بين صفوف المقاعد ، خلد الجميع إلى النوم ، ولم يعد يُسمع سوى أزيز يخفت تارة ويختفي أخرى ، في حين كانت هناك شاشة في الواجهة ؛ بين الفينة والأخرى ؛ ترتسم عليها خارطة التحليق من اسطنبول في اتجاه الدار البيضاء ، مرورا بإيطاليا ولاس بالماس.
فجأة ؛ وعلى حين غرة ؛ استيقظوا مذعورين بإحساس وكأن الطائرة تهوي بهم في مكان سحيق ، فعلتْ جلبة وتنهدات ، على إثرها خرجت مضيفة من القمرة ، وهي تحاول تهدئة روع المسافرين:
• " نحن نعبر منطقة جوية شهيرة بمثباطها ، رجاء ارتبطوا بأحزمة السلامة .."
سيرد عليها شخص ملتح قابع في الصفوف الخلفية:
• " الله أكبر.. الله أكبر!.. بسلام آمنين.. اقرأوا الفاتحة.. ستختفي حالما ندخل الأجواء المغربية" ، كانت ترمقه بعينين جاحظتين امرأة في الستين ، فمالت على شخص بجوارها محاولة أن تكظم رعبها:
• "ياإلهي.. ما هذا الذي أرى.. هل سقطت الطائرة بأيدي إرهابيين.. هل صرنا رهائن.. ياإلهي.." ( Oh my God, what is this I see; did the plane fall in the hands of terrorists ? Are we hostages, my God)
  على أرضية مطار محمد الخامس
ما إن أخذت الطائرة ينخفض ارتفاعها تدريجيا ، ولاحت معالم برية تتراءى عبر كواتها ، حتى تهللت الوجوه ومالت إلى بعضها وهي ترقب في صمت مخيف ملامسة عجلاتها مدرج المطار .
  تدافعت الحشود باتجاه طوابر ؛ كانت تنتظر بفارغ الصبر التأشير على جوازاتهم ، ومن ثم التوجه رأسا إلى المدراج الآلي الذي لا يكف عن الدوران ، حاملا حقيبة تلو الأخرى ، يطوف بها تحت أعين مسمرة على ألوانها وأشكالها ، كل من حظي بالتعرف على حقيبته يأخذها ويهرول بها في اتجاه البوابة الرئيسية ليعانق سماء ونسمات بلاده..
        أين الحقائب ؟!
  مضت زهاء الساعتين ، إلى جوار دوّار الحقائب ، ولا ظهر بعد عفش أشخاص ظلوا مرابطين هناك ينتظرون الذي يأتي ولا يأتي ، كانوا ؛ في البداية ؛ خمسة أشخاص عادوا يقلبون كفا على كف ، من فرط اليأس وطول الانتظار ، أخيراً قادهم يأسهم إلى استفسار "رجال جمارك ومستخدمين ؛ يغدون ويروحون في باحة الاجراءات الرسمية ، منهم من أحالهم على مصلحة هناك ، ومنهم من أدار ظهره إليهم معبرا بحركات لاإرادية بأن "الأمر" لا يعنيه. هرولوا باتجاه مرفق هناك ، ظهر من شباكه الزجاجي أن هناك شخص قابع في زاوية يلهو بهاتف بين أنامله ، كلما لاحظ أحدهم يحاول استفساره ، دلّه بإيماءة بصرية إلى إعلان مكتوب على الزجاجة :
" إبلاغ عن عدم التوصل بالأمتعة ، وإيداعه" . أحدهم تجشم عناء البحث في "السيستيم" ، فأفاده بأن أمتعتهم بقيت في اسطنبول ، لم تشحن ، لسبب ما زال مجهولا.." .
كانت الساعة جد متأخرة من ليلة جمعة ، وبعض هؤلاء المسافرين ، ما زال يحدوه الأمل في العثور على عفشه ، بيد أن مستخدما بدا عليه عارفا بأسرار"اختفاء الأمتعة " نصحهم بالعودة بالاتصال في الغد.. إلى حين التأكد من رحلة الطائرة القادمة من مطار اسطنبول .
أحد الضحايا انزوى بجهة هناك ، ينتظر فاستعمل هاتفه يريد الاتصال "بإدارة المطار" ، فباغته صوت بلزوم الانتظار ليتم "ربطه" بالمصلحة المختصة ، حينها شرع يحتج "بأن كل متاعه في حقيبته المفقودة ، حتى من ملابسه الداخلية.. فأنى له المبيت ؟! " .
    في صباح اليوم الموالي
 اتضح من سحناتهم ؛ وهم ينتظرون معرفة مصير أمتعتهم ؛ أن عددهم يزيد عن عشرين مسافرا ، منهم من قدم من مونتريال كندا ، ومنهم من وفد من مطار هيثرو بالمملكة المتحدة.. مستخدم كان هناك خلف نقالة الأمتعة ، وشوش له أحدهم في أذنه:
• " أين هي الأمتعة المفقودة ؟ "
• " توجد لدينا منها الآلاف.. ومن الصعب جدا فرز حقيبة بعينها وسط ركاماتها.." .
ومن فرط الإحساس بالغبن ، تقدم أحدهم إلى جمركي بدا ؛ من خلال بزته ؛ أنه يشغل موقعا مرموقا داخل إدارة المطار ، فبادره:
• " سيدي..فقط نريد الاتصال بالمدير.. من فضلك سقنا إليه.." ، وكم كانت دهشة الجميع أمام تصريحه وهو يعلنه جهارا:
• "..والله.. لا أعرفه.. ولا سبق لي أن رأيته.. والكذب على الله حرام! " .
   كلمة السر نحو الأمتعة!
  فاجأهم أحد الضحايا ، قدم لتوه من مكان منزو ، وأعينه تفيض تهليلا وبشارة:
• " لقد فك الله سراحي...! ها هي الحقيبة.."
• " كيف.. عثرت عليها.. دُلنا..."
• " يلزم قليل من التكتم والحذر.."
• " كيف...؟! "
• " صاحب البذلة الرمادية الداكنة هناك.. إنه رئيس مصلحة جناح الأمتعة الوافدة والمفقودة ، يربط الاتصال بأحد معاونيه من الداخل ، لا يتحدث إليك ؛ في قيام بمهمة ؛ إلا إذا دعاك إلى مرحاض.. للشروع في عملية "المفاوضات !" .
صاح أحدهم ، وكان متعجلا:
• " أرجوكم.. دعوني أجرب حظي.." . ذهب حتى إذا اقترب منه.. رسم على محياه ابتسامة "الأمن والسلام " ، ولم يكد يفاتحه حتى أومأ له بالتقدم نحو "المرحاض" :
• " كيف هي حقيبتك.. سأحاول خرق القانون" ، وفي حينه ربط الاتصال بمعاونه: ...
هل تسمعني.. حقيبة أودعناها البارحة.. وفدت من انجلترا.. هيا.. أسرع"
• " سيدي..كيف أشكرك ؟! "
• " قاطعه.. كم ستدفع وإلا... ؟" .
ذاعت"كلمة السر " (Mot de passe) بين الآخرين.. وكان من بينهم شخصية يحمل حقيبة ديبلوماسية.. سأله جمركي عن هويته فأجاب:
• " رئيس محكمة! "، فالتفت إليه أصدقاؤه من الضحايا في وجوم:
• " رئيس محكمة..!.. كيف لا تستغل مركزك هذا لإحضارههم حقيبتك في الحال ؟ "
• "مهْمه .. وتهْته.. وأفضى بكلمات مبعثرة:
• " ..لا .. لا.. أريد تضخيم الأمور.. فعلينا بقليل من الصبر " ، ثم لاحظ نظرات العتاب تتوجه إليه وأصحابها ينصرفون عنه تباعا..
         يسدل الستار على:
 كل تسلم متاعه عبر بوابة "المرحاض" ، وبعد أن شعر رئيس المحكمة بأن عجرفته أبقته وحيدا ، دون تسلمه حقيبته ، ظل إلى حين يراجع ؛ في قلق باد ؛ ساعة معصمه ، وأخيراً قصد في خطوات متثاقلة المرحاض !
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
مجموع المشاهدات: 6031 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة