موروكوحلم

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
موروكوحلم
 

في سنوات الباكلوريا وبينما كان وعينا ينمو ليلامس دفء المستقبل الموعود، ألقى أستاذ مادة اللغة الإنجليزية "سي مراد" في وجوهنا سؤالا مصيريا: "ما هو حلمك في الحياة؟". أجبنا بالعفوية التي يفرضها سياق التمدرس والسن والتفكير (مدرس، صانع، صحفي، شرطي، قائد ...)كانت إجاباتنا كلاسيكية، روتينية، تدخل ضمن ما هو متداول ورائج في الوعي الجمعي للمغاربة، وتقع في إطار المعروف والنمطي؛ أو دعنا نقول: إنها كانت إجابات لأحلام "مقولبة" ، بكل ما يحمله هذا التعبير من معاني قدحية في الثقافة الشعبية المغربية. أثارت أحلامنا البسيطة حفيظة الأستاذ فحدق بعينيه الواسعتين في وجوهننا وصاح غاضبا "whats that ".

 

لم نحس بوقع "الواتسذات" إلا بعد سنوات عديدة من تلك الحادثة، حين علمنا- فعلا- أن أحلامنا كانت تخضع للجاهز والنمطي المسمى ب"طرف الخبز"، أي أنها أحلام علقمية في قالب حلوى، أو كما يتداول في الثقافة بدر السم في العسل. جعلتنا هذه الأحلام البسيطة نسبح في كأس ماء ضيق،

 

تاركين البحر الشاسع للآخرين!. كنا ننتمي – بوعي أو دون وعي - لبطوننا أكثر من انتمائنا لعقولنا وقلوبنا، أي أننا كنا مجرد "خبزيين" يسعون لالتقاط لقمة من أنياب الحياة!.

 

وفي الحقيقة التي سنلقي عليها الضوء،لم يكن الأفق واسعا لترعرع براعم الأحلام ونموها على مستوى الخطاب والواقع،كما هو الحال في الدول المتقدمة التي تؤمن بقدرات شعوبها وترعى أحلامهم وتحتضنها حتى تكبر، فالمجتمع لم يعلمنا أن نتجاوز المفكر فيه ونطير إلى أفق أكثر رحابة، كما هو الحال في الدول المتقدمة التي يتعلم فيها الفرد منذ طفولته تحديد حلمه وهدفه وبناءه بتعاون مع الدولة ،التي تجند كافة وسائل الدعم النفسي والاجتماعي والمادي لتخرج هذا الهدف إلى أرض الواقع. فحلم الإنسان الياباني- على سبيل المثال لا الحصر - هو حلم لليابان بأسرها يتم بناؤه بشكل جماعي من أجل المصلحة العامة، وتربط بينه وبين حلم الدولة ككل علاقة تكاملية تتغيى المصلحة والمنفعة العامة، وهذا يخلق انسجاما كبيرا بين أطراف الجسد التي تعمل مجتمعة لتحقيق هدف كبير وهو ازدهار الدولة/الفرد وتقدمها ونيلها شرف المراتب الأولى في العلوم والابتكارات والثقافة والآداب والفنون وغيرها.

 

أما في "الموركو" فهناك عوامل أخرى تقلب كل الحسابات المنطقية وتجعل الناس يعتقدون أن أسقف البيوت هي أعز ما يطلب، وهي أعلى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان الذي يستخدم كل قدراته العقلية، ومن هذه العوامل نذكر: إعادة الإنتاج الطبقي، حيث تعمل الطبقة البرجوازية - مثلا- على رعاية أفرادها وتدعيم أهدافهم تحت شعار "خيرنا لن يناله غيرنا"، ليس على المستوى المادي فقط، بل على مستويات مختلفة ومتعددة (علمية ،فكرية ،فنية ،سياسية ..)، وهذا الأمر ينعكس سلبا على واقع الطبقات الأخرى من جهة وعلى الدولة برمتها من جهة أخرى، بحيث تتشكل داخل الدولة الواحدة جزر صغيرة منعزلة لكنها في الآن نفسه مرتبطة بمصالح مشتركة، دويلات عائلات استثمرت طاقتها ونفوذها في تحقيق أحلامها الاقتصادية أو السياسية أو العلمية أو الفنية أو الدينية..! وهذا الأمر يؤثر سلبا على الأغلبية الساحقة التي لا تنتمي إلى هذه الدويلات والتي تصارع الأمواج الضخمة من أجل ألا

 

تنطفئ شمعة حلمها! . ويرسخ هذا الأمر كذلك و -بشكل مباشر- أفكارا منمطة ومقولبة في الوعي الجمعي وفي الثقافة السائدة، حيث يطغى توريث الأحلام والمناصب والكراسي والأفكار بين أفراد المجتمع في مختلف طبقاته وتوجهاته، وهناك تعبير دارج يختصر هذا الواقع في مقولة : " حرفة بوك ليغلوبك" والذي تدعو من خلاله الثقافة أبناءها إلى التمسك بحرفة الأب وصنعته لأنها القارب الذي سيجعلك تعبر إلى ضفة حلمك المزعوم!، إضافة إلى الكثير من العراقيل السياسية والإدارية التي تقف حجر عثرة في وجه كل من سولت له نفسه أن يحلم حلما أكبر من "حجمه الطبقي"؛ لذلك نجد أن الكثير من الأفكار والمشاريع العلمية والاقتصادية والاجتماعية يتم وأدها وهي جنينة لم تفتح بعد عيونها على الواقع، زد على ذلك؛ عقم الواقع القاصر في تفريخ نماذج لأحلام حقيقية تتسلق سلم النزاهة والمصداقية لتصل إلى مبتغاها كيفما كان.

 

إن الموركو يبدع في توفير بيئة مستنقعية يتكاثر فيها الانتهازيون والوسطاء والوصوليون الذين يمتطون صهوات طائرات المحسوبية والزبونية ليصلوا إلى أحلامهم بسرعة تفوق سرعة الصوت، وتضرب معادلات انشتاين وذكاءه الخارق عرض الحائط.

 

 

فإلى متى سيظل الموركو مقصرا ومتهاونا في رعاية أحلام مواطنيه؟! وإلى متى سيستمر مسلسل التدمير النفسي والسياسي والثقافي لنجاحات الأفراد وأحلامهم وغاياتهم ؟! وألا يمكن أن نحلم في المغرب بأكثر من أكل ومسكن وسيارة؟!

مجموع المشاهدات: 810 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة