الرئيسية | أقلام حرة | فقهاء انتظرنا بركاتهم

فقهاء انتظرنا بركاتهم

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
فقهاء انتظرنا بركاتهم
 

مثل شعبي مغربي متداول له دلالات قوية في وصف كل زيغ أو انحراف عن جادة الصواب:" لفقيه اللي نتسناو بركتو دخل للجامع ببلغتو" وهو مثال يطلق على الشخص الذي أتى فعلا مشينا أو سلوكا سيئا لا يتوقع أن يصدر عنه.... كأن يرتكب فقيه فاحشة أو كبيرة من الكبائر يتفاجأ لها الجميع، وهو الفقيه التقي الورع الذي تلجا له العامة في كل شيء لدرجة الإفتاء في كل ما شكل عليهم من الأمور الدينية والدنيوية، وهو المرجع والقدوة والإسوة والمثل الأعلى والحكم الذي يمتثل لأحكامه الجميع، فعندما يزيغ أو يذنب يتم مؤاخذته بالفعل الشنيع الني قام به كأنه دخل المسجد بمداسه أو نعله وداس على أرضيته الطاهرة.

وحري بالتذكير والتأكيد على المكانة الاعتبارية والاجتماعية التي يحظى بها الفقيه في تدبير أمور العباد والبلاد ومدى ارتباط الأسر المغربية بهذه المؤسسة بالنظر لأدوارها التربوية والتعليمية والثقافية.. وتصريف الأمور الجارية للحياة العامة كالزواج والطلاق ومقتضيات الإرث والفصل في النزاعات والحل والعقد في أغلب التعاملات بما فيها إبرام العقود والالتزامات وغيرها... دون إغفال الدور الروحي وحضوره القوي في الأفراح والأحزان وحتى في علاج الحالات المرضية.

وقد امتدت أدوار الفقيه لتشمل مجال التربية والتكوين إذ يعتبر مصدرا أساسيا في تعلم القراءة والكتابة وحفظ القرءان رغم العقوبات الشديدة التي تعرض لها الأطفال الصغار في وقت من الأوقات أمام صمت وتزكية أسرهم.

كان من الضروري بسط هذه التوطئة لإبراز مكانة الفقهاء في المجتمع، لأسترسل في الحديث عن فقهاء من نوع آخر، وأعني بذلك فقهاء في شتى مجالات العلوم والمعرفة. فالفقيه في هذا الاتجاه هو الذي تكونت لديه الملكة العلمية والضلوع المعرفي في مجال ما الشيء الذي يمكنه من وضع نظريات وإعطاء آراء علمية يعتمدها الدارسون والباحثون، والفقهاء في هذا السياق لهم من التجربة والخبرة والحنكة واتساع المجال ما يؤهلهم ليكونوا فقهاء في مختلف الميادين، في القانون واللغة والدين والسياسة والاقتصاد وعلوم النفس والتربية والاجتماع والفلسفة وغيرها.

انبرى مؤخرا من بين هؤلاء الفقهاء.... فقيه " لا علاقة " أشرف على هندسة النموذج التنموي الجديد، الذي توسم فيه المغاربة خيرا.. وانتظرنا جميعا الكثير من بركاته، كيف لا... وهو الدبلوماسي الجهبذ والوزير العالم بأمور الناس الذي قاد أم الوزارات وترأس لجنة النموذج التنموي، والذي رآكم ما يكفي من الخبرات والتجارب ما يؤهله لإدارة دفة حقيبة التربية الوطنية بما ينبغي من الاتزان والحنكة والمسؤولية والرؤيا المستقبلية، مستمدا ذلك من تقرير النموذج التنموي الذي عنونه: " تقرير النموذج التنموي الجديد تحرير الطاقات واستعادة الثقة لتسريع وثيرة التقدم وتحقيق الرفاه للجميع " حيث أكد في مقدمته على رفاه المواطنين وحس التضامن والمواطنة والمستقبل المزدهر وذلك في قوله: " .... عرفت المملكة تقدما ملحوظا ساهم في الرفع من سقف المطالب وأضفى شرعية على التطلعات الجديدة، وانسجاما مع روح الدستور واسنادا على الإرث الغني، فإنه يصبو إلى نفس جديد من خلال تعبئة كافة مكوناته بروح المواطنة وحس التضامن بغية بناء مستقبل مزدهر يؤمن رفاه المواطنين.... وتلتقي مكونات المجتمع المغربي اليوم حول نفس الرغبة الملحة والمتمثلة في تحرير الطاقات من خلال تعزيز قدرات المواطنين والمواطنات واستباق التحولات التي يشهدها العالم من أجل تعبئة الفرص التي تتيحها والتخفيف من حدة المخاطر الناجمة عنها، والتعريف بالمبادرات المحلية المبتكرة في بلد يشكل فيه الشباب الشريحة الديمغرافية الأوسع وتحصين الحريات ضمن إطار يكرس الثقة والمسؤولية....." انتهى كلام الفقيه.

كلام جميل في صياغته في دلالاته وفي عمقه، إلا أن هذا الفقيه في واد وكلامه الجميل في واد آخر، دليل ذلك انه في أول اختبار يعني حقيبة واحدة (التربية الوطنية) من بين الحقائب الأخرى التي أثقلت ظهره خاب ورسب " طاح مع الدورة " حتى قال بعضهم: " من الخيمة مشى ما يل " ولكنه مال كل الميل حتى كاد أن يعصف بسنة دراسية كاملة مما تسبب فيه من احتقان كانت البلاد في غنى عنه حيث تصاعدت موجة الاحتجاجات داخل أوساط الشغيلة التعليمية رفضا لما جاء في النظام الأساسي.... وكان من الممكن تدارك ذلك مع انطلاق الشرارة الأولى وتأطيرها بالخبرة والاستماع والعقلنة عبر الجلوس إلى طاولة الحوار للحد من الاحتقان الذي اتسع مداه بواسطة تنسيقيات فئوية تجاوزت النقابات ووسعت رقعة الاحتجاج....وقد تم مواجهة الأمر في البداية بمبدأ كم حاجة قضيناها بتركها ثم أسلوب التهديد بالاقتطاع من أجور المضربين تفعيلا لمرسوم الحكومة السابقة " الأجر مقابل العمل " الأمر الذي زاد في الطين بلة اضطر بعض الوزراء للدخول على الخط للدفاع عن صاحبهم خاصة بعد مطالبة المحتجين برحيل مهندس النظام الأساسي حيث صرح بعضهم استعداد الحكومة لمراجعة النظام الأساسي ولكن لا للي الذراع مع حث الأساتذة للرجوع إلى الأقسام.

كل ذلك كان على حساب التلاميذ وضياع الزمن الدراسي وكلف عناء لأكثر من مرفق عمومي لإرجاع الأمور إلى نصابها حتى على مستوى القانون المالي الذي تمت المصادقة عليه آنذاك من طرف البرلمان بغرفتيه ولا يحتمل أي إضافة أو تعديل.... وكان من الممكن ان يجنبنا السيد الفقيه كل ذلك بالحكمة والروية والتشاور والحوار، وهنا تكمن القوة والحكامة في تدبير الشأن العام.

هذا فقيه في مجاله.. وهناك فقهاء في مجالات متعددة سنتحدث عنهم لاحقا في السياسة والرياضة والفن والثقافة والدين.... هم أيضا انتظرنا بركاتهم إلا أنهم دخلوا ببلغتهم.... للحديث صلة.

 

 

مجموع المشاهدات: 22975 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة