الرئيسية | أقلام حرة | حكومة بنكيران .. خروقات دستورية بالجملة

حكومة بنكيران .. خروقات دستورية بالجملة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
حكومة بنكيران .. خروقات دستورية بالجملة
 

 

عرفت حكومة بنكيران منذ تقلدها لمهمة تسيير البلاد العديد من الأزمات السياسية، التي كادت في بعض الفترات أن تعصف بها، وشكلت مادة دسمة أسالت مداد الأساتذة ولطلبة الباحثين المهتمين بالشأن السياسي (لدي في هذا الصدد مقال بعنوان "الفصل 47 والأزمة الحكومية") والذين تناولوا بالدراسة والتحليل مختلف الإشكالات الدستورية والسياسية التي تخبطت فيها.

فمذ الإعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر 2011، وتصدر حزب العدالة والتنمية لها، انطلقت مرحلة جديدة من الحياة السياسية المغربية تتسم بوجود دستور متقدم، كان من المفترض أن يضفي تغييرا إيجابيا على المشهد السياسي، نظرا لما حمله بين ثناياه من إصلاحات عميقة، غير أن ضعف الأحزاب السياسية، خاصة تلك المشكلة للتحالف الحكومي، جعلها عاجزة عن إدراك القواعد الجديدة للعبة السياسية، فدخلت في أزمات وفراغات سياسية متكررة.

فالبداية كانت منذ الولادة، حيث احتاج الحزب الحاكم إلى شهرين ونصف تقريبا كي يشكل تحالفه الحكومي، الذي لم يصمد طويلا، إذ لم تمر سوى سنة ونصف على تشكيله، حتى انفجرت أزمة جديدة بين العدالة والتنمية وحليفة حزب الإستقلال، هذا الاخير اختار الانسحاب من التشكيلة الحكومية، مخلفا فراغا سياسيا جديدا، فرض علينا الانتظار مرة أخرى لما يقارب الثلاثة أشهر قبل أن نشهد ولادة النسخة الثانية للحكومة، نسخة أقل ما يمكن القول عنها أنها أكثر تشويها من سابقتها، فمع ولادتها رافقتها العديد من الاشكالات الدستورية، خاصة مسألة إن كنا أمام تعديل حكومي أم حكومة جديدة؟ وإشكالية التنصيب البرلماني،  (أنظر مقال "أزمة الحزب أو حزب الأزمة") ثم مسألة تفريخ عدد كبير من الشبه وزارات الحاملة لأسماء غريبة.

والآن ها نحن نضرب موعدا أخر مع الإنتظار، لن أتطرق هنا إلى تعويض "بها" رحمه الله على اعتبار أن منصب وزير الدولة أصلا غير دستوري، وهذا ـ في نظري ـ ما أدركه الحزب الحاكم ولم يعد يفكر في تعويض الوزير "بها"، بل سأتطرق إلى إشكالية وزير الشباب والرياضة، فبعد ما بات يعرف بفضيحة مركب الأمير مولاي عبد الله، وما تمخض عنه من إقالة الوزير "محمد أوزين" إثر ثبوت مسؤوليته المباشرة في ما جرى، دخلنا من جديد في مرحلة فراغ فتحت باب التأويلات والفرضيات، فتجند الجميع لمحاولة الإجابة على سؤال: من سيخلف "أوزين" على رأس الوزارة؟؟، بينما انشغل الكل بمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، فضل رئيس الحكومة تجاوز الكل، وضدا على الدستور، فوض لامحند العنصر وزير التعمير وإعداد التراب الوطني، مهمة تسير شؤون وزارة الشباب والرياضة مؤقتا. هذا القرار، يطرح إشكال من الناحية الدستورية، فلا يوجد بتاتا في الدستور ما يخول لأي كان أن يحل محل وزير بشكل مؤقتا وبداعي تصريف الأمور الجارية إلى حين انتخاب أخر. أما في ما يخص الحل السليم لهذه الحالة، فهو ما تضمنته الفقرة الأخيرة من الفصل 47 " الحكومة المنتهية تمارس مهامها تصريف الأمور الجارية إلى حين انتخاب حكومة جديدة". فهذه الفقرة رغم أنها   تتحدث عن الحكومة بأكملها وليس عن وزارة واحدة، إلا أن اللجوء إليها كان أرحم من القرار المتخذ، على اعتبار أنه تم الاستناد إليها في حالة مشابهة، عندما قدم وزراء حزب الاستقلال إستقالتهم، فقد استمروا في تصريف الأمور الجارية إلى حين اجراء التعديل الوزاري ـ ففي هذه الحالة أيضا لم تستقل الحكومة كاملة ـ أي أنه كان من المفروض أن يستمر "أوزين" في تصريف الأمور الجارية إلى حين تعيين خلفه.

أما عن مسألة استناد رئيس الحكومة إلى المادة 13 من مشروع القانون التنظيمي للحكومة ـ الذي لم يصدر بعد ـ هذا ضرب من الهذيان السياسي والدستوري، فكيف أمكن الاستناد إلى مادة من قانون لم يصدر بعد؟ علما أن الأمر يتعلق بقانون تنظيمي، من المفروض أن يعرض على المجلس الدستوري لإقرار مطابقته للدستور قبل صدوره، هذا من جهة، من جهة ثانية، حتى لو سلمنا جدا بإمكانية الاستناد إلى تلك المادة، فهي تتحدث عن غياب الوزير الأصلي لسبب من الأسباب تحت إكراه ما، فيتم التفويض إلى أحد زملائه للنيابة عنه إلى حين عودته، أي أنها لن تكون مجدية في حالة  إقالة أو استقالة الوزير المعني، ففي هذه الحالة لا يوجد غير مخرج دستوري واحد، هو المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من الفصل 47.

 

لكن الملاحظ، هو أن رئيس الحكومة استحضر الاعتبار السياسي وغلبه عن الجانب الدستوري، فالأكيد أنه حاول تجنب ردود الأفعال التي حتما ستكون قوية في حال تم اعتماد المخرج الدستوري وبقي "أوزين" على رأس الوزارة في مهمة تصريف الأعمال الجارية، رغم ذلك فأمام كل هذه الإشكالات الدستورية التي تعاقبت على حكومة بنكيران على يسعنى القول إلا أننا فعلا أمام حكومة الاستثناءات بإمتياز، فأي شيء مهما كان غير منطقي يمكن توقع حدوثه.

مجموع المشاهدات: 1317 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة