الرئيسية | أقلام حرة | مدينة سيدي سليمان ورهان تسريع وثيرة ارتقائها إلى عاصمة إقليمية

مدينة سيدي سليمان ورهان تسريع وثيرة ارتقائها إلى عاصمة إقليمية

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
مدينة سيدي سليمان ورهان تسريع وثيرة ارتقائها إلى عاصمة إقليمية
 

من المؤكد أن المتتبع لأحوال سيدي سليمان سيلاحظ أن المدينة لم ترق بعد إلى مستوى عاصمة إقليمية، وأن مسارها لبلوغ هذه المرتبة تواجهه عدة عراقيل مرتبطة أساسا بالخلل الذي يميز الروابط ما بين المؤسساتي والسياسي، خلل يعرف تفاقما مستمرا، يكاد يتحول إلى مقاوم قوي لكل النداءات المطالبة بتوضيح الرؤى، خلل يثير التخوفات جراء استمرار الغموض الذي يكتنف الروابط السالفة الذكر، إلى درجة أصبح سؤال "من المستفيد من هذه العرقلة؟" سؤالا شائعا لدى الرأي العام المحلي. فمن خلال الجولة التي قامت بها الجريدة في المدينة ونواحيها، تم الوقوف في نفس الوقت على خاصيتين متناقضتين تتعلق الأولى بغنى المنطقة والدينامية التي يعرفها الرواج التجاري والفلاحي والخدماتي، والثانية تتجلى في كون مقومات الفضاء الحضري بالمدينة لم ترق بعد إلى إقناع الوافدين عليها على الاستقرار بها. فباستحضار التناقض السالف الذكر إلى جانب وقوف الجريدة في مقال سابق على عدم الاهتمام المؤسساتي بالأدوار التي يلعبها معهد التكوين المهني بالإقليم في إنعاش الاستثمار (الإسهام الملموس في تراكم الاستثمارات في المنطقة الصناعية سيدي يحيى- القنيطرة) وضعف العناية المحلية بمحيطه المباشر، لا يمكن للمتتبع للشأن المحلي إلا أن يفترض وجود منطق مقاوم للرفع من وثيرة التقدم في مسار تحويل المدينة إلى عاصمة إقليمية بالمواصفات المطلوبة والمعروفة. فمن خلال تتبع الجريدة للتحركات والتنقلات من وإلى المدينة، تأكد لها أن المشكل ليس مرتبطا بالاقتصاد الحضري بل بشروط استقرار الطبقة الوسطى بها. ففي كل صباح على الساعة الثامنة والنصف ترى المئات من الوافدين من المدن المجاورة (مكناس والقنيطرة وسلا والرباط،...) قادمين من محطة القطار متوجهين إلى مركز المدينة، مدينة البرتقال التي كانت تنعت بباريس الصغيرة في المراحل الأولى بعد نشأتها، للإلحاق بمقرات عملهم (العمالة، المندوبيات، المديريات، عيادات الطب الخاصة، مكاتب المحاماة والتوثيق، المراكز التجارية، المرافق الخدماتية،....). إن استمرار كل الوافدين عليها في الصباح على مغادرتها في المساء يؤكد بدون شك ضعف جاذبيتها، وأن هناك، كما تمت الإشارة إلى ذلك، من يعرقل مسار تحويلها إلى عاصمة إقليمية. إن من يغادرها في المساء لن تكون دوافعه سوى كونه لا يجد فيها مقومات الاستقرار الفردي والأسري. إن الإقبال عليها بالنهار يؤكد ديناميكية اقتصادها الحضري، ووجود إمكانيات وفرص ومناخ لتنمية الأعمال ودخول المستثمرين وأصحاب المهن الحرة والتجار،... وهو دليل في نفس الوقت على كون الجو العام البيئي ومناخ الأعمال بها جد ملائم وصحي وجذاب. إن المدينة، بعد مسلسل إغلاق الوحدات الصناعية، عرفت فعلا تحولات اقتصادية في اتجاه القطاع الثالث (التجارة والخدمات)، والعودة إلى إعطاء الأهمية البالغة للفلاحة العصرية في إطار مشروع المغرب الأخضر. لقد أصبح اليوم المجال الحضري محاطا بضيعات البرتقال والحقول الخضراء والمياه الزرقاء،....إلخ. 

موازاة مع هذا التشخيص، قامت الجريدة، في بحثها عن جواب شاف لاختلاف عدد السكان ما بين النهار والليل بالمدينة، ببحث خصت به عدد من المتتبعين لأحوال المدينة ومحيطها، بحث تأكد لها من خلاله أن هناك قصور واضح في تأهيل المدينة وفي ترتيب الأولويات. وأول ما أثاره المستجوبون هو وجود نوع من المقاومة لإنضاج شرط الوضوح في الرؤية التأهيلية للمجال الحضري بأبعادها المؤسساتية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. فبالرغم من المجهودات المبذولة بعد ارتقاء المدينة إلى عاصمة إقليمية منذ سنة 2010، لا زالت تفتقر إلى فضاءات الترفيه والتنشئة والتجهيزات الصحية الملائمة. وفي هذا الصدد، أكد أحد المستجوبين أن شغف الساكنة إلى أنشطة الترفيه والتنشيط والتنشئة الموازية جعلها تجد في أنشطة المركز التجاري مرجان متنفسا خصوصا في أيام الجمعة والسبت والأحد، الأيام التي يركز فيها مسيري هذا المركز على التنشيط الترفيهي (البهلوان للأطفال، ألعاب رياضية، موسيقى وغناء، تراث محلي، "الدقاقية"،.....). وعلى المستوى المؤسساتي، وبعد إجراء الجريدة لاستطلاع للرأي وزيارة للمجال الحضري، لم تلمس ما يفيد وجود بصمات لوجود نوع من التكامل والانسجام في الفعل التنموي ما بين المؤسسات في مختلف المستويات الترابية (الولاية، الجهة، الإقليم، الجماعة). لم تقف الجريدة على أي مشروع مهم يحمل بصمة الجهة (تجهيز مهيكل للتراب الحضري ومؤطر للمجالات الترابية القروية). لقد تبين للجريدة من خلال أبحاثها أن هذا الخلل (الخلل في تكامل وانسجام الفعل التنموي) هو العامل الأساسي الذي يحول دون تحويل العواصم الإقليمية بالجهة إلى مدن قادرة على خدمة الساكنة الحضرية وسكان الجماعات القروية. فلا يمكن مثلا استبدال الرؤية التنموية عند مؤسسة الجهة بتوزيع الاعتمادات على الأقاليم الثلاث عوض برمجة مشاريع مهيكلة للتراب الجهوي. وعند طرحنا هذه الفكرة على أحد الفاعلين المحليين، أجابنا: "إذا ما ثبت ذلك، فإن ممارسة الفعل التنموي في جهة الغرب الشراردة بني احسن ستكون لا علاقة لها بمفهوم الجهة والأهداف النبيلة التي خلقت من أجلها، بل ستكون مجرد جهاز سياسوي لا علاقة له بمصلحة الساكنة وحاجياتها". وأكد لنا شخص آخر أن الدولة لا يمكن لها أن تسمح قانونيا بالعبث بالأدوار التنموية للجماعة الترابية على مستوى الإقليم والجهة، فعندما يكون المنتخب عضوا في المجلس الإقليمي يجب أن يفكر في تنمية تراب إقليمه وتنافسيته، وعندما يكون عضوا جهويا، يجب أن يفكر في تنمية جهته وتنافسيتها.

لقد تأكد للجريدة في الأخير أن ما تم استنتاجه كخلاصات في شأن أوضاع مدينة سيدي سليمان هو نتاج لخلل في العلاقة ما بين اللامركزية وعدم التمركز من جهة وخلل في الممارسة في إطار اللامركزية (جهة، إقليم، جماعة) من جهة أخرى. إجمالا، مدينة سيدي سليمان، أمام هذا الخلل والجهود المبذولة لتجاوزه، تحتاج اليوم، في انتظار المصادقة على ميثاق دقيق للامركزية واللاتمركز يستجيب لانتظارات المغاربة، إلى تأهيل تشاركي يتجاوز المصالح السياسوية الضيقة. المدينة تحتاج على سبيل المثال إلى مستشفى إقليمي بجميع التخصصات، وجامعة للعلوم المختلفة، ومنطقة صناعية متنوعة الأنشطة الصناعية والخدماتية واللوجيستيكية، ومركز صحي لتصفية الدم، ونوادي للترفيه، ومعهد عمومي للفنون والإبداع (موسيقى، الفنون التشكيلية، المسرح، المهن السينمائية، الكتابة الروائية،....إلخ)، ومركز عمومي للغات والترجمة، ومكتبة عامة كبيرة تستجيب لطلبات الشباب من الكتب في مختلف المجالات، وخلق مكتبات في المدارس والثانويات، ومركب للصناعة التقليدية مندمج في الشبكة السياحية الوطنية، ومرافق رياضية، ومحطة للنقل الطرقي، وطريق جانبية خاصة بالشاحنات.....إلخ. في نفس السياق، وتشخيصا للأوضاع الثقافية بالمدينة وما آلت إليه، أكد عدد من الفعاليات أن الوضع الحالي لا علاقة له بأوضاع الأمس القريب. لقد أنتجت سيدي سليمان عدة فعاليات وأطر في المسرح والسينما والأدب والإعلام، وتمكن العديد منهم من البروز على المستوى الوطني. لقد كانت دار الشباب النافذة التي يأتي منها ضوء التنوير الثقافي ونشر المعرفة وتداولها بصورة واسعة في المدينة ومحيطها. إنها الفضاءات التي ستمكن الوافدين على المدينة من الاستقرار بها. الاقتصاد الحضري وفقراء المدينة في حاجة لأجور الموظفين والمستخدمين ودخل رجال الأعمال والمهن الحرة. بالاستقرار بالمدينة، ستزدهر بلا شك التجارة الصغيرة (بائعي الخضر والفواكه والمواد الغذائية بالتقسيط)، ومهن الصناعة التقليدية، وأنشطة الحرفيين والصناع، والمقاولة الصغرى والمتوسطة.... وستتوسع الطبقة الوسطى، وسيتقوى الانسجام الاجتماعي وحب الانتماء الترابي كأساس لتقوية المواطنة.

مجموع المشاهدات: 3172 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة