الرئيسية | أقلام حرة | الرواية البنكيرانية حول دولة القرارات والتعيينات المُغَرَّبِيَة

الرواية البنكيرانية حول دولة القرارات والتعيينات المُغَرَّبِيَة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
الرواية البنكيرانية حول دولة القرارات والتعيينات المُغَرَّبِيَة
 

 

في خرجة عبثية مثيرة, وبعد ما يزيد عن أربع سنوات من تقمص دور البطل الخارق ذي المواقف الفريدة التي لم يأت بمثلها أحد من العالمين, رمى رئيس الحكومة قناع الممثل جانبا, ليقولها صريحة واضحة ويعلن على رؤوس الأشهاد أن المغرب تتوزعه دولتان: دولة الملك والمؤسسات, ودولة القرارات والتعيينات, ويذهب بعيدا وهو ينفي علمه بطريقة اشتغال الدولة الفاعلة صاحبة القرار, نفي العالم المستنكر, لا نفي الجاهل الذي تعوزه المعرفة.

بهذا التصريح أطلق رئيس الحكومة رصاصة الرحمة على مغرب المؤسسات الذي يصوره هاهنا كما لو كان كاميرا خفية توهم الناظر بماء التغيير, ليكتشف مع سيادته أنه ضحية مقلب كبير, وأن ما توهمه ماء ليس سوى سراب, وأن هذه المؤسسات القائمة هنا وهناك ليس لها أي دور سوى استنزاف المال العام ولعب دور المجمل بتبني قرارات الآخرين اعتمادا على توصياتهم.

أمام هذا التصريح الخطير أود أن أسائل رئيس الحكومة الذي اعترف بصوريته وشكليته عن سبب سكوته حينا من الدهر, ورضاه بوضع المعلقة التي مالوا عنها كل الميل وتركوها عرضة للإقصاء واللا اعتبار، أين هو وعدك الذي قطعته على نفسك, وعاهدت بموجبه المغاربة بأن تضع المفاتيح وتغادر الحكومة بمجرد أن يعترض سبيلك وسبيل قراراتك أحد مهما علا شأنه وسمت قيمته؟

لأنك حدثتنا بأن عملك هو مع الله سبحانه, وبأنك مؤمن بالله وحده, تسعى للجنة ولا تريد شيئا من حطام الدنيا الزائل, لأنك قدمت نفسك بهذه الصفات صدقناك وأنت تتحدث عن نفسك طيلة سنوات كرئيس حكومة قوي, تملك صلاحيات الرجل الثاني في هرم السلطة, ولم نشأ أن نكذبك أو نتهمك بممارسة الدجل والتدليس وإخفاء الحقيقة, وذهب بعضنا بعيدا فوصفك بالبلدوزر الذي يدوس كل من يقف في وجه قراراته, لتخلط علينا الأوراق خلطا يجعلنا نقف حائرين بين أن نصدق رواية بنكيران القوي, أو نصدق رواية بنكيران الضعيف الخائر القوى, لا سيما وأن معنى الحديث الشريف يقف ماثلا في ظل هذه الحيرة المثيرة "المؤمن لا يكذب", وأنت لا شك صادق في واحدة, كاذب في الأخرى, ولا يهمنا هنا أين كذبت ومتى صدقت بقدر ما يعنينا هذا الاستغلال الفظيع للدين وللإيمان وللجنة في سياق تطاحن سياسي تستدعي فيه الإسلام ليكون ورقتك الرابحة في هزم خصومك, دون أن تراعي حرمته وقدسيته وضرورة السمو به عن المآرب الشخصية الضيقة.

مهما يكن, فإن كنت صادقا في خرجتك الأخيرة التي رفعت فيها راية الهزيمة ونعيت من خلالها مغرب المؤسسات, فتلك مصيبة وطامة عظمى جعلتنا نستفيق من سباتنا على حقيقتك البهلوانية كمهرج يخفي بقفشاته ما وراء الجدار, وتلعب حكومته دور رفع الستار لفريق "القرارات والتعيينات", ونكتشف خيانتك للأمانة الملقاة على عاتقك بأن تكون رئيس حكومة يملك قراره وصلاحياته التي بوأها إياه دستور 2011, لا مجرد "حلايقي" يمارس فن الحلقة في المسرح السياسي المغربي, يضحك الناس ويأتي بالطرائف والنوادر الغريبة المستغربة, ممارسا دور إلهاء المواطنين عن المسرحية الحقيقية وعن الممثلين الحقيقيين أصحاب القرارات والتعيينات, ونصحو في آخر المطاف على أنك آكل سحت، أكلت أموال المغاربة بمنصب صوري، واستنزفت الملايين من أموال المغرب, وأنت مجرد وزير شبح لا تقدم ولا تؤخر.

أما إن كنت كاذبا في خرجتك هذه, تريد ممارسة لعبة لي الأذرع ضد من يعنيهم الأمر, فتلك مصيبة أعظم وجناية أكبر, لأنك, وأنت الرجل الثاني في هرم الدولة دستوريا تلعب بنار الفتنة وتزرع في نفوس المواطنين بذور الشك واليأس من جدوى العملية السياسية, ولأن شاهدا من أهلها أخبرهم بأن مغربا آخر يحكمهم, مغرب بلا هوية ولا حقيقة, وبأن أصواتهم الانتخابية ومؤسسات الدولة الدستورية ليست إلا ضحكا على ذقونهم واستغباء لعقولهم.

في كلتا الحالتين, وسواء عليك أكنت صادقا أم كاذبا نود أن توضح هوية الدولة التي كنت تتحدث عنها وأنت تشدد الخناق على الأساتذة المتدربين وتكتم أنفاسهم, وتستعمل كاتمات الصوت لتحول بينهم وبين إسماع صراخهم وآهاتهم لمن يهمهم الأمر, وأنت تمارس كل هذا التسلط باسم أي دولة كنت تسعى, هل دولة المؤسسات, أم دولة القرارات والتعيينات؟

وأنت تلهب ظهورنا بالزيادة الصاروخية في فواتير الماء والكهرباء والمحروقات, لأجل من كنت تفعل ذلك, للدولة الأولى, أم للدولة الثانية, أم أن دولة القرارات والتعيينات هي من أمسكت بيدك وهوت بها علينا دون أن تظهر تمنعا أو ممانعة في توجيه يدك عكس الوجهة التي أرادوا.

وأنت تتحدث بلغة الاستيهام الجنسي, من أوحى لك بذلك؟ طبعا ربما دولة القرارات والتعيينات أرسلت شياطينها لتزل لسانك وتوقعه في المحظور الكلامي, وتخرجك من ثمة من جبة المؤمن بالله الذي لايريد من الدنيا شيئا سوى الظفر بالجنة.

اسمح لي سيدي أن أقول لك بأنك لعبت في الشوط بدل الضائع, لايهم إن كنت صادقا أم كاذبا فيما قلت, مادمت قد أظهرت حقيقتك كإنسان يعبر عن رضاه بالواقع السياسي المغربي, ويتحدث بعنجهية عن سلطته علينا كرئيس حكومة، وعن وجوب احترام المؤسسات كلما بسطوا له أيديهم, وأعطوه إشارة الولاية الثانية, ويشنف أسماعنا بحديث السمن والعسل وحكاية العسل على العسل في العلاقة مع المؤسسة الملكية التي أظهرتها الآن في موقف المسلوب من قراره, الخاضع لدولة القرارات والتعيينات, لا لشيء إلا لأنهم منعوا وزراء حزبك من تنظيم المهرجانات وأطبقوا على حزبك الحصار حتى لا يكون له امتداد أو علاقات خارجية.

نعم سيدي لو قايدوك على أن تبقى في رئاسة الحكومة حتى تلحق روحك ببارئها, بقاء صوريا شكليا, تتمتع فيه بهالة الحكم, وتمارس علينا من خلالها ساديتك وترسل عبرها قهقهاتك الشامتة المتشفية في وضعنا, دون أن تكون لك أي سلطة حقيقية, ودون أن تتخذ قرارا واحدا بإرادتك...لو قايدوك على هذا لظللت تسبح بحمدهم, ولرميت كل من قال بمثل ما صرحت به أنت الآن بتهمة خدمة أجندات أعداء الوطن والتآمر على مؤسسات الدولة وجر البلد نحو الفتنة, ولوصفته بأقدح النعوت والصفات ولطالبت بالتبرؤ منه وبمحاكمته, لكن بما أنهم أعطوك إشارة مغادرة الخيمة الحكومية فلتنزل بمعاولك عليهم, ولتشكك في مؤسساتهم, ولتحرض شبيبة حزبك لتبري أقلامها من أجل محاربتهم في مواقع التواصل الاجتماعي, ولتمارس خطاب المعارضة الراديكالية التي لا تؤمن بالمؤسسات رغم وجودك على رأس واحدة منها, حقا سيدي جسدت مشهدا من مشاهد مسرح اللامعقول بكل إتقان، وحق لمؤسسي هذا المسرح أن يفتخروا بإنجاب ممثل من طينتك.

مجموع المشاهدات: 1470 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | احمد
مفال جيد
سلام على الاستاذ صاحب اامقال لقد احسنتم واصبتم لايسعني الا اصفق لكم فانا كساءر الناس حبن يتكلم بن كيران اتاسف واقول اف لديمقراطية اتت بهذا الرجل الى هرم اامسؤولية وتعود بي الذكريات الى الوراء الى الاسلوب الدبلوماسي عند من سبقوه رعم كل شيء فهو لم بحقق للمساكبن الا الغلاء الفاحش اضف الى ذلك كلامه وضحكاته وعنتريته .....فلا حول ولا قوة الا بالله فما على المسكين الا الصبر لل.....في حكمه. فاتق الله با سي ننكيران واعلم ان المنصب زاؤل والدنيا فانية والكذب ممقوت وان الاحزاب فتنة هذا الزمن
مقبول مرفوض
2
2016/07/01 - 03:10
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة