الرئيسية | أقلام حرة | بين التحرش الجنسي والمراودة

بين التحرش الجنسي والمراودة

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
بين التحرش الجنسي والمراودة
 

 من المصطلحات التي تعج بها واجهاتنا الإعلامية المرئية والورقية والإلكترونية، مصطلح (التحرش الجنسي)، ولما كانت المصطلحات قنوات تمرير للمفاهيم، كان من الواجب الوقوف عند هذا المصطلح وتحديد مفهومه بحسب ما يروّج له إعلاميا، خصوصا وأن الدعوات تعالت بتجريم هذا الفعل وترجمت بمشروع قانون لـتجريم التحرش الجنسي وصل إلى قبة البرلمان...

القانون عرّف التحرش الجنسي بأنه: «أي عمل غير مرغوب فيه ضد طرف آخر في الأماكن العامة من خلال: إما بالمعاكسة، أو اللمس، أو التلفظ بألفاظ تدخل في إطار التحرش الجنسي، أو حصول الفعل الجنسي».

 بالرجوع إلى القواميس الفرنسية والإنجليزية/ العربية، بهدف تفكيك هذا التعريف مفهوميا نجد أن المُعَاكَسَة تعرف بأنها: تَحَرُّشٌ بِـ؛ و بترجمة فرنسية (brimade)، وترجمة إنجليزية: (molestation) و(proposition)، واللمس نجده أيضا في (قاموس المحدث) يعرّف بالتحرش؛ وذلك في ترجمة فعل: تَحَكّكَ بِـ: أي؛ تَحَرّشَ بِـ( to pick a quarrel with, start a brawl with; to provoke, stir up)، ونجد في هذا القاموس أيضا غايات متعدد لفعل التحرش لا تكون دائما لغاية جنسية فقط، فقد يكون التَحَرّش بِقَصْدِ الشّجَار، وبقصد الاِسْتِفْزاز، والإثَارَة، وبقصد التَطَفّل.

التعريف عمّم المفهوم بكل (عمل غير مرغوب فيه ضد طرف آخر) وخصّص بـ(المعاكسة واللمس أوالتلفظ بألفاظ تدخل في إطار التحرش الجنسي) وأدخل مفهوم ما هو جريمة (حصول الفعل الجنسي) ضمن جريمة أخرى هي التحرش الجنسي.

ولعل الواضعين لهذا القانون في تعريفهم للتحرش الجنسي، كان نصب أعينهم هذه المفاهيم الموجودة بالقواميس الفرنسية والإنجليزية، وبالرجوع إلى قواميسنا ومعاجمنا العربية، نجد أن لفظ التحرش يرد مختصا بفعل الحيوان غالبا، ففي كتب اللغة: «حرش الضبَّ واحترشه صاده... وحرش بين القوم أغرى بعضهم ببعض...، أقول: تحرَّش به صحيح فصيح، وهو من (حرش)، ومعنى حرش في الأصل أثار. تقول حرشت البعير إذا حككت غاربه، أي مابين ظهره وعنقه، بعصا معطوفة الرأس ليزيد في مشيه، كما جاء في كتاب (الاشتقاق) لابن دريد.

 وقد تدرج هذا المعنى فضم إلى الإثارة الخداع. فقد جاء في أمالي المرتضى: "الاحتراش أن يقصد الرجل إلى حجر الضب فيضرب بكفه ليحسبه الضب أفعى فيخرج إليه فيأخذه. يقال: حرشت الضب واحترشته". فالحرش والاحتراش للضب محاولة اصطياده بعد إثارة وخداع. ومن هنا جاء (التحرش) فدل على الإثارة والمراوغة»[1]

أما اللفظ المختص بفعل الإنسان والدال على الفعل الجنسي فهو (رود) من راد يرود مراودة، وهو اللفظ الذي عبر به القرآن عن إرادة الفعل الجنسي، جاء في كتاب العين: «والإِرادة أصلها الواو، ألا ترى أنك تقول: راوَدْتُه أي أردْتُه على أن يفعَلَ كذا، [وتقول: راوَدَ فلانٌ جاريتَه عن نفسها، وراوَدَته هي عن نفسه إذا حاوَل كلٌّ منهما من صاحبه الوَطْءَ والجماعَ، ومنه قول الله- جلَّ وعزَّ-: {تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ}، فجَعَل الفعل لها»[2].

 وجاء في تهذيب اللغة: «قَالَ الْأَصْمَعِي: الرَّادَةُ من النِّسَاء غير مَهْمُوز الَّتِي ترود وتَطُوف، وَقد رَادت ترود رَوَدَاناً، قَالَ: والرَّأدة بِالْهَمْزَةِ والرُّؤُودَةُ على وزن فُعُولة كل هَذَا: السرِيعةُ الشَّبَاب فِي حسن غِذَاء، وَقَالَ غَيره: تَرأَدَتِ الجاريةُ تَرَؤداً وَهُوَ: تَثَنِّيها من النَّعْمة.

وَأَخْبرنِي المنذريّ عَن ثَعْلَب عَن ابْن الْأَعرَابِي قَالَ: ...وَالْمَرْأَة الرُّؤْدُ وَهِي الشَّابَّة الْحَسَنَة الشَّبَاب...»[3]

قال الشريف أبو الحسن علي بن محمد الأخفش المغربي الشاعر:

وفي الحيِّ رودٌ في عِذابِ وُرودِهَا ... عَذابٌ يُذيب العاشقين ويَعْذُبُ[4]

وجاء في كتاب العقد الفريد: قال الشيخ من الأعراب:

أنا شيخ ولي امرأة عجوز ... تراودني على ما لا يجوز[5]

 والأصل في مادة (رَوَدَ) الدلالة عَلَى مَجِيءٍ وَذَهَابٍ مِنِ انْطِلَاقٍ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ. تَقُولُ: رَاوَدْتُهُ عَلَى أَنْ يَفْعَلَ كَذَا، إِذَا أَرَدْتَهُ عَلَى فِعْلِهِ. وَالرَّوْدُ: فِعْلُ الرَّائِدِ. يُقَالُ بَعَثْنَا رَائِدًا يَرُودُ الْكَلَأَ، أَيْ يَنْظُرُ وَيَطْلُبُ.... وَرَادَتِ الْمَرْأَةُ تَرُودُ، إِذَا اخْتَلَفَتْ إِلَى بُيُوتِ جَارَاتِهَا.

والمراودة كما تكون من الرجل تكون من المرأة، وهذا المعنى ورد في معجم اللغة العربية المعاصرة: راود المرأةَ عن نفسها/ راودت الرَّجُلَ عن نفسه: طلَب أن يفجُر بها، أغراها، أغرته بفعل الفاحشة عن طريق الاحتيال " {وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ} "[6].

من هنا فما أحوجنا أن نعود إلى قواميسنا اللغوية العربية عند إرادة وضع التعريفات في مشاريع القوانين، حتى لا نستورد التعاريف الغربية وما تحمله من معاني بعيدة كل البعد عن قيمنا وهويتنا الإسلامية.

الهوامش:

1.    دراسات في النحو، صلاح الدين الزعبلاوي، (ص: 679).

2.    كتاب العين (8/ 64)

3.    تهذيب اللغة (14/ 114)

4.    خريدة القصر وجريدة العصر - أقسام أخرى (2/ 696)

5.    العقد الفريد (4/ 64)

6.    معجم اللغة العربية المعاصرة (2/ 958)

 

 

مجموع المشاهدات: 4228 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة