الرئيسية | أقلام حرة | المجتمع الاستهلاكي في زمن كورونا

المجتمع الاستهلاكي في زمن كورونا

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
المجتمع الاستهلاكي في زمن كورونا
 

خلال الأيام الأولى من بداية حضر تجول بسبب جانحة كورونا ،أصبح المغاربة يتوافدون على المحلات التجارية بطريقة هيستيرية ،الشيء الذي دفع بالعديد من فئات المجتمع إلى استنكار بشدة هذا التصرف الناتج عن الخوف والجشع من قبل المواطنين ،اللذين أصبحوا يشعرون بنوع من الفوبيا المرضية مخافة أن تستمر هذه الجانحة، وبمقابل كل هذا أصبح تجار المآسي يرفعون من سعر الأثمنة حتى تتكدس أموالهم دون مراعاة للظرفية الحساسة التي يمر منها المغرب ،خاصة وان غالبية المواطنين المغاربة يشتغلون في الأسواق، وفي الحرف التقليدية التي لا يتعدى مدخولها سوى بضعة دارهم معدودات، حتى أن المغربي عندما تسأله أين أنت ذاهب يجيبك ( تنقلب على طرف ديال الخبز ) لقد أصبحنا نعيش في زمن الخبز الحافي بتعبير محمد شكري ، لكن أمام هذا الوضع الاجتماعي الذي آل إليه المغرب أصبح من الضروري طرح مجموعة من الأسئلة وذلك من قبيل أين هي تلك القيم الاجتماعية التي كانت توحد المغاربة في زمن تدبير الأزمات ؟ لماذا طغت قيم الفردانية على القيم الجماعية المبنية على التعاون والتآزر إلى غير ذلك من الاعتبارات الرمزية التي كانت تميز المغاربة في إحدى الحقب التاريخية ؟ ،هذا التحول الاجتماعي راجع إلى عدة اعتبارات منها التأثر بقيم الغربية المبنية أساسا على إعطاء القيمة للفرد على حساب القيم الجماعية ولأن المغلوب

 

مولع عليه بتقليد الغالب على حد تعبير ابن خلدون أصبحنا نتهافت بشكل مرضي على شراء الأطعمة والمأكولات ....لدرجة أن الكوجيطو الديكارتي الجديد الذي أصبح يسود خلال هذه الأيام بما أنا آكل إذن أنا موجود ،فمنطق العقلانية لم يعد سائدا أمام هذه الظرفية التي جعلتنا نكشف أمام الملأ ،وذلك عبر الفيديوهات والمقاطع المصورة التي تم التقاطها عن طريق الهواتف الذكية ،الشيء الذي دفعنا إلى إثارة هذا الموضوع باعتباره مساهمة في النقاش العمومي، حتى نتمكن من فهم طبيعة هذا المجتمع خاصة في لحظة تدبيره للازمات الطبيعية والاجتماعية، صحيح انه في التاريخ الاجتماعي لدينا العديد من المساهمات التاريخية ،التي بينت لها كيف تفاعل المغاربة مع العديد من الأوبئة كالطاعون والكوليرا ،لكن أصبح من الواضح جدا أننا غير مهيئون بالكامل على تدبير أزماتنا الطبيعية ،خاصة وان المستوى الثقافي والاجتماعي لدينا لا يسعنا في التصدي لمثل هذه اللحظات العصيبة التي تتطلب منك نهضة ثقافية، كما هو الأمر بالنسبية للمجتمع الصيني الذي أبان على حس عال من اليقظة التامة ،وهذا ليس بغريب على مجتمع عاش نهضة ثقافة في زمن ماو تسي تونغ الي ساهم في بناء مجتمع نهضوي يؤمن بالانضباط ويعبره سلوكا طبيعيا ملازما لثقافته ،في الوقت الذي نرى فيه الدولة المغربية تختزل الثقافة في المهرجانات الموسيقية والمواسم الفلكلورية وتعتبر الإشكالية التعليمة مسألة تقنية وبيداغوجية دون أن تحدد المرامي والأهداف المرجوة منه ،أمام هذا الاستهتار فان هذا السلوك الاستهلاكي سيظل يصاحبنا طوال حياتنا ما لم لنقم بمراجعة شاملة لمختلف القناعات الماضوية التي لم تعد مواكبة لروح العصر الذي يعيش فيه .

مجموع المشاهدات: 765 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (0 تعليق)

المجموع: | عرض:

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة