الرئيسية | أقلام حرة | متخبطو الداخل الإسلامي3: العقلانيون والدين

متخبطو الداخل الإسلامي3: العقلانيون والدين

بواسطة
حجم الخط: Decrease font Enlarge font
متخبطو الداخل الإسلامي3: العقلانيون والدين
 

تابع..

إن المؤمنين، يرون أن اعتماد عقلنة المفاهيم دون تحديد مجال التعريف والمنطق المناسب له، قد يؤدي إلى مزالق "Irréversible"، لأنه لا يمكن بحال عقلنة كل متعلقات الدين،، وفي كل الأحوال.. فالعقلانية، مثلا، لن تثبت، بل لن "تجيز" وجودَ غير محسوس، ولن تجيز عبادة.. ولو كان الأمر بالعقل لكان إقناعا واقتناعا، وليس دعوة وإيمانا واعتقادا، ولكان محله العقل وليس القلب..

إن الدين يرادف أيضا، ومرة أخرى على الأقل من باب التضمن، يرادف العبادة.. والعبادة تذلل وخضوع.. والخضوع هو تنفيذ التوجيهات والتوصيات كما صدرت عمن أصدرها، رغبا ورهبا، عن حب واختيار، إذا كان في الأمر خيار، وعلى مضض ورغم، إذا لم يكن في الإمكان مجال للاختيار..

والمتدين يختار الانصياع لتعليمات الدين الذي ارتضاه وآمن به حبا. فينفذ أوامره المسلّمة، نظريا(يؤمن أنه يجب عليه أن ينفذها كلها، ودائما، لكنه فعليا ينفذ منها ما غلب نفسه عليه، ومتى قدر على إرغامها. لكنه لا يعارض أيا منها من حيث الوجود أو الوجوب)، ينفذ منها ما استطاع تسليما بضرورة تنفيذها،، وأيضا تسليما بصوابها وحكمتها..

فالخضوع إذن -كحالة مجسدة للتدين- هو ضابط الدين وناظمه. وهو مؤشر الالتزام ومقتضاه في نفس الوقت، بحيث لا يمكن إقناع المتدين بالعدول عن قناعة أو الامتناع عن ممارسة إلا بإلزامه بالخضوع(مرة أخرى) لتعليمة أخرى من داخل المنظومة ذاتها، قد يكون المعني بالأمر جهل وجودها، أو لم يفهمها، أو فهم التعليمة السابقة على نحو غير المراد.. لكن، بالنسبة للمؤمنين(وهم أغلبية الناس، بغض النظر عن الدين وفحواه ومصدره...)، وعلى المستوى الإيماني/النظري على الأقل(غالبا ما تكون الممارسة الفعلية مخالفة لما يؤمن به الممارِس، لكنه(الممارِس) يتحسر، ويقر أنه إنما يقترف تلك المخالفات ضعفا، مع أنه يؤمن بضدها، ويود لو يستطيع الالتزام بما يؤمن به.). أقول أنه بالنسبة للمؤمنين، يبقى الخضوع للمكون العقدي أسمى موجه للسلوك البشري..

غير أن بعض "العقلانيين" يحاولون، بكل ما أوتوا من قوة نفي حضور الوازع الديني في تأطير حياة الناس وتوجيه تصرفاتهم. وانسجاما مع منهجهم الحسي البراغماتي، فإنهم يستعيضون عن ذلك بالدافع المادي المصلحي البحث، كموجه متحكم في السلوك.. لذا، منهم من ينكر ذلك بذريعة "خرافية" الدين، أي "انعدام المعبود".. ومنهم من يفعل انتقاما ونقمة و"وقاية"، بسبب "ما ترتب عن التدين من تعدد وخلاف أشعل الصراعات الكونية".. والمفارقة أن غالب هؤلاء المنكرين "مؤدلجون"، ويتغابون عن أنهم بدورهم يضيفون فرقا أخرى يزيدون بها أعدادا في المعدود،، كما يتغافلون عن الصراعات "المدنية"، و"الإيديولوجية" التي يشعلونها، لأن "الأدلجة" لا تغيب عن تصورات الحياة،، ومن "الإيديولوجيات" ما يلامس مراتب "العقائد"..

من جهة أخرى، وكما سبق، يعتبر الدين رأس منظومات القيم المعنوية التي تحدد سلوك الناس، وعليه فهو ينتمي إلى مجموعتها، وبالتالي لا يستقيم الإيمان بجزء من المجموعة، و"الإلحاد" بجزء آخر.. وهنا يظهر تخبط "العقلانيين" الناكرين لوجود الدين جليا حين يُظهرون إيمانا ببعض القيم المعنوية، كما هو الشأن بالنسبة لمنع النفس مثلا مما تتوق إليه، مع القدرة المادية والإمكانية الإجرائية لتحقيقه، مع أنه، وبالمنطق العقلاني، إذا لم يكن هناك رقيب يثيب أو يعاقب،، لماذا يراقب الإنسان نفسه ويمنعها مما تريد ويقدر عليه، على الأقل في ما هو مأمون العواقب؟ ما جدوى، أو ضرورة الرقابة الذاتية؟ ألا يكون حمقا الامتناع عن تحقيق رغبة أو منفعة ذاتية متاحة وسالمة؟؟!!!..

إن المؤمن بالقيم غير المادية يجب أن يَحكم تصرفاتِه ويحدد رسالتَه سقفُ الالتزام بأحكام الشرع، والتي تحصر سبب وجوده، وبالتالي خلفية ونمطية أفعاله المفترضة.. أما من يؤمن بالقيم المعنوية العرفية، ويرفض تلك الدينية، فليس من العقلانية ولا من الانسجام في شيء..

هذا كان عن مدعي "العقلانية الكونية" في بعدها المجرد والمطلق.. أما بالنسبة لــ"العقلانيين" و"المؤدلجين" من بني جلدتنا، فغالبهم مجرد مكابرين، تبّع، غاية ما يسعون إليه، وأقصى ما يستطيعون هو رفض الإسلام(ولو تمويها بالمسميات المستحدثة كما مضى(السياسي، الحركي...)) ومحاربته،، وهم عمود هذا "المليْف"..

 

يتبع..

 
مجموع المشاهدات: 26702 |  مشاركة في:

الإشتراك في تعليقات نظام RSS عدد التعليقات (1 تعليق)

1 | رضوان
التدين بين الحقيقة والواقع
أشرت في مقالك إلى حالة حقيقية تنطبق على كثير من المتدينين * لكنه فعليا ينفذ منها ما غلب نفسه عليه، ومتى قدر على إرغامها. * مع كامل الأسف رغم الإجتهاد نبقى مقصرين ...
مقبول مرفوض
0
2022/06/07 - 01:43
المجموع: 1 | عرض: 1 - 1

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

من شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات

مقالات ساخنة